تاريخ الحركة الإسلامية


  

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما التقيت في القاهرة منذ أسابيع قليلة بأخي الدكتور سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي، كان السؤال الأول الذي حرصت على إثارته معه هو: هل هناك من كتب عن تاريخ الحركة الإسلامية في المغرب؟ وقد أحزنتني إجابته، وأحزنته هو أيضا، عندما أجاب بالنفي، وأنه لم يصدر حتى الآن أي جهد علمي جاد يؤرخ للتجربة المعاصرة للحركة الإسلامية في المغرب، والحقيقة أني لم أطرح عليه السؤال من زاوية الهم الثقافي والمعرفي المجرد، وإنما من باب الهم العملي والحال، فتاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة هو مستودع خبراتها، بخيرها وشرها، وإيجابياتها وسلبياتها، ونجاحاتها وإخفاقاتها، وسدادها وشططها، وعقلانيتها ونزقها، هي تجربة إنسانية بكل ما يعتمل فيها، وهي جديرة بأن يتم تسجيلها لكي تستفيد منها الأجيال الجديدة فلا تبدأ من الصفر دائما ولا تكرر الأخطاء نفسها التي سبق ارتكابها وتستثمر المكتسبات التي تحققت لتنميتها وتطويرها، هذا النقص المؤسف في تأريخ الحركة الإسلامية في المغرب ليس وقفا عليها وإنما هو نقص متعد لمعظم مناطق العالم العربي، ففي مصر على سبيل المثال لا يكاد يوجد أي تأريخ جاد لتجربة الحركة الإسلامية المعاصرة على مدار قرابة أربعين عاما مضت، منذ هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو 1967 حيث تفجرت روح الغضب في الأجيال الجديدة وبدأت تبحث عن البديل، حيث ولدت الحركة الإسلامية في خضم هذا الغضب وحتى اليوم، مرورا بنشأة الجماعات الإسلامية المتعددة وتحول بعضها من العمل الدعوي إلى الصدام المسلح مع السلطة ونزوع بعضها إلى العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات ونحوها، وهي تجربة بالغة الثراء ومفعمة بالخبرات الواسعة والكثيفة، وأزعم أن الكثير من الحركات والتوجهات والنزعات التي شهدتها بلدان عربية أخرى فيما بعد، بما في ذلك افكار التكفير وما شابهها، كان لها نموذجها كاملا في مصر، ولو كان هناك تأريخ جاد وعلمي لهذه التجارب لكان من أهم ثمارها إفادة الأجيال الجديدة وحمايتها من الانسحاب إلى مثل نزعات التكفير وغيرها من منازع الغلو والتطرف، ومن ثم فإني أؤكد على أن الاهتمام بتاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة هو عمل جليل له أهميته العملية وأهميته الأخلاقية وأهميته الدعوية، ولقد قابلت الكثيرين من صناع هذا التاريخ ورجالاته الأحياء وكنت أجد عند كل منهم من الحماسة والتأييد ما يكفي ويفيض للاهتمام ببدء عمل كبير ومسؤول في هذا المجال، ولكن الأمر لا يتعدى هذه الحماسة، وأدركت أن مثل هذا العمل الجليل لا يمكن القيام به من قبل أفراد أو جهود لها طابع فردي، فهذا غير ممكن، لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها حاجة مثل هذا الجهد إلى التفرغ الكامل ممن يعكفون على عملية التأريخ، وهذا يستدعي توفير إمكانيات مادية معقولة تكفل له ذلك التفرغ حتى يتم إنجاز العمل بصورة متكاملة ودؤوبة، خاصة وهناك مئات الآلاف من الوثائق والأوراق المبعثرة لدى محامين وصحافيين وسياسيين وأجهزة قضائية مختلفة ناهيك عن الشهادات الحية من أصحاب الحركة وشهودها، والحصول عليها وأرشفتها والإفادة منها يحتاج إلى جهد علمي متكامل وصبور وهذا لا يتأتى بجهد فرد مهما كان، والاعتبار الثاني أن العمل الفردي في كتابة تاريخ الحركة الإسلامية سيكون متأثرا بنزعات الفرد وربما أهوائه، مما يجعل الجهد التأريخي غير مقبول لدى الأجيال الجديدة ومطعونا فيه، وقد رأينا مؤخرا شاهدا صارخا على هذا الأمر، عندما أصدر الأستاذ منتصر الزيات المحامي كتابا عن جانب من تاريخ الحركة الإسلامية المصرية، وقد نشر قبل ذلك مسلسلا في عدد من الصحف منها الحياة اللندنية، فأثار الكتاب احتجاج الكثيرين من رموز تلك المرحلة، واعتبروه تزييفا للتاريخ وليس تجلية له، ونشرت العديد من الردود في هذا الصدد منها كتابات لكل من الأستاذ كمال السعيد حبيب وهو أحد رموز تلك المرحلة الصاخبة في الحركة الإسلامية المصرية، وكتابات للأستاذ ممدوح إسماعيل المحامي وهو من أبناء تلك التجربة كما أنه محامي للعديد من الرموز القيادية في الحركة الإسلامية المصرية، وكلا التعقيبين كان مفعما بالتكذيب شبه الكامل لما ورد في كتاب الزيات، وإلى الحد الذي اتهموه فيه باختلاق الأحداث وليس فقط الخلط فيها، ولذلك، فالجهد الفرد سيكون غالبا متأثرا بهوى صاحبه ووجهة نظره ولن تكون له مصداقية تذكر لدى أبناء الحركة الإسلامية أو أجيالها الجديدة، وفقدان المصداقية يفقد العمل كله قيمته، لأن المأمول أن يكون التاريخ هو مستودع الخبرات للأجيال الجديدة تستلهم الدروس والعبر وتكون على بصيرة من أمرها في مستقبل حياتها، وفي تقديري أن التأريخ للحركة الإسلامية ينبغي أن تنشأ له مؤسسات مستقلة يكون لها وقف معقول للإنفاق عليها، ومن الممكن أن تكون هناك مؤسسة دولية أم، تشرف على مثل هذا الجهد الكبير ويتفرع منها قطاعات متخصصة، كل قطاع يعكف على تجربة قطر من الأقطار أو منطقة من المناطق، كتجربة الحركة الإسلامية في مصر أو السودان أو الشام أو العراق أو الخليج أو تونس أو تركيا أو غيرها، فهل ينشط لذلك الجهد الطيب ناشطون من أبناء الأمة، هذا ما نأمله، وذلك ما نرجوه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply