ِأصحاب الأخدود في القرن الحادي والعشرين


  

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدث القرآن الكريم عن أصحاب الأخدود، حيث قال تعالى في محكم آياته:} قُتِلَ أَصحَابُ الأُخدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ (5) إِذ هُم عَلَيهَا قُعُودٌ (6) وَهُم عَلَى مَا يَفعَلُونَ بِالمُؤمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنهُم إِلَّا أَن يُؤمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ (8){ البروج 4-8

ولكن.. من هم أصحاب الأخدود؟

لنقرأ معاً قصتهم على لسان سيد البشر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

فَعَن صُهَيبٍ, ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ـ قَالَ : « كَانَ مَلِكٌ فيِمَن كَانَ قبلَكُم، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلمَلِك : إِنِّي قَد كَبِرتُ فَابعَث إِلَيَّ غُلاَماً أُعَلِّمهُ السِّحرَ ، فَبَعَثَ إِلَيهِ غُلاَماً يعَلِّمُهُ ، وَكَانَ في طَريقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيهِ وَسَمِعَ كَلاَمهُ فأَعجَبهُ ، وَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بالرَّاهِب وَقَعَدَ إِلَيه ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فقال : إِذَا خَشِيتَ السَّاحِر فَقُل : حبَسَنِي أَهلي ، وَإِذَا خَشِيتَ أَهلَكَ فَقُل: حَبَسَنِي السَّاحرُ .

فَبينَمَا هُو عَلَى ذَلِكَ إذ أتَى عَلَى دابَّةٍ, عظِيمَة قد حَبَسَت النَّاس فقال : اليومَ أعلَمُ السَّاحِرُ أفضَل أم الرَّاهبُ أفضلَ ؟ فأخَذَ حجَراً فقالَ : اللهُمَّ إن كان أمرُ الرَّاهب أحَبَّ إلَيكَ مِن أَمرِ السَّاحِرِ فاقتُل هَذِهِ الدَّابَّة حتَّى يمضِيَ النَّاسُ ، فرَماها فقتَلَها ومَضى النَّاسُ، فأتَى الرَّاهب فأخبَرهُ . فقال لهُ الرَّاهبُ : أي بُنيَّ أَنتَ اليومَ أفضلُ منِّي ، قد بلَغَ مِن أمركَ مَا أَرَى ، وإِنَّكَ ستُبتَلَى ، فإنِ ابتُليتَ فَلاَ تدُلَّ عليَّ ، وكانَ الغُلامُ يبرئُ الأكمةَ والأبرصَ ، ويدَاوي النَّاس مِن سائِرِ الأدوَاءِ . فَسَمعَ جلِيسٌ للملِكِ كانَ قد عمِىَ، فأتَاهُ بهداياَ كثيرَةٍ, فقال : ما هاهنا لك أجمَعُ إن أنتَ شفَيتني ، فقال إنِّي لا أشفِي أحَداً، إِنَّمَا يشفِي الله تعَالى، فإن آمنتَ بِاللَّهِ تعَالَى دعوتُ الله فشَفاكَ ، فآمَنَ باللَّه تعَالى فشفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فأتَى المَلِكَ فجَلَس إليهِ كما كانَ يجلِسُ فقالَ لَهُ المَلكُ : من ردَّ علَيك بصَرك؟ قال : ربِّي . قَالَ: ولكَ ربُّ غيرِي ؟، قَالَ : رَبِّي وربٌّكَ الله ، فأَخَذَهُ فلَم يزل يُعذِّبُهُ حتَّى دلَّ عَلَى الغُلاَمِ فجئَ بِالغُلاَمِ ، فقال لهُ المَلكُ : أي بُنَيَّ قد بَلَغَ من سِحرِك مَا تبرئُ الأكمَهَ والأبرَصَ وتَفعلُ وَتفعَلُ فقالَ : إِنَّي لا أشفي أَحَداً ، إنَّما يشفي الله تَعَالَى، فأخَذَهُ فَلَم يزَل يعذِّبُهُ حتَّى دلَّ عَلَى الرَّاهبِ ، فجِئ بالرَّاهِبِ فقيل لَهُ : ارجَع عن دِينكَ، فأبَى ، فدَعا بالمنشَار فوُضِع المنشَارُ في مفرقِ رأسِهِ، فشقَّهُ حتَّى وقَعَ شقَّاهُ ، ثُمَّ جِئ بجَلِيسِ المَلكِ فقِلَ لَهُ : ارجِع عن دينِكَ فأبَى ، فوُضِعَ المنشَارُ في مفرِقِ رَأسِهِ ، فشقَّهُ به حتَّى وقَع شقَّاهُ ، ثُمَّ جئ بالغُلامِ فقِيل لَهُ : ارجِع عن دينِكَ ، فأبَى ، فدَفعَهُ إِلَى نَفَرٍ, من أصحابِهِ فقال : اذهبُوا بِهِ إِلَى جبَلِ كَذَا وكذَا فاصعدُوا بِهِ الجبلَ ، فـإذَا بلغتُم ذروتهُ فإن رجعَ عن دينِهِ و إِلاَّ فاطرَحوهُ فذهبُوا به فصعدُوا بهِ الجَبَل فقال : اللَّهُمَّ اكفنِيهم بمَا شئت ، فرجَف بِهمُ الجَبَلُ فسَقطُوا ، وجَاءَ يمشي إِلَى المَلِكِ ، فقالَ لَهُ المَلكُ : ما فَعَلَ أَصحَابكَ ؟ فقالَ : كفانيهِمُ الله تعالَى ، فدفعَهُ إِلَى نَفَرَ من أصحَابِهِ فقال : اذهبُوا بِهِ فاحملُوه في قُرقُور وَتَوسَّطُوا بِهِ البحرَ ، فإن رَجَعَ عن دينِهِ و إلاَّ فَاقذفُوهُ ، فذَهبُوا بِهِ فقال : اللَّهُمَّ اكفنِيهم بمَا شِئت ، فانكَفَأَت بِهِمُ السَّفينةُ فغرِقوا ، وجَاءَ يمشِي إِلَى المَلِك . فقالَ لَهُ الملِكُ : ما فَعَلَ أَصحَابكَ ؟ فقال : كفانِيهمُ الله تعالَى . فقالَ للمَلِكِ إنَّك لستَ بقَاتِلِي حتَّى تفعلَ ما آمُركَ بِهِ . قال : ما هُوَ ؟ قال : تجمَعُ النَّاس في صَعيدٍ, واحدٍ, ، وتصلُبُني عَلَى جذعٍ, ، ثُمَّ خُذ سهماً مِن كنَانتِي ، ثُمَّ ضعِ السَّهمِ في كَبدِ القَوسِ ثُمَّ قُل : بسمِ اللَّهِ ربِّ الغُلاَمِ ثُمَّ ارمِنِي ، فإنَّكَ إذَا فَعَلتَ ذَلِكَ قَتَلتنِي . فجَمَع النَّاس في صَعيدٍ, واحِدٍ, ، وصلَبَهُ عَلَى جذعٍ, ، ثُمَّ أَخَذَ سهماً من كنَانَتِهِ ، ثُمَّ وضَعَ السَّهمَ في كبدِ القَوسِ، ثُمَّ قَالَ : بِسم اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ ، ثُمَّ رمَاهُ فَوقَعَ السَّهمُ في صُدغِهِ ، فَوضَعَ يدَهُ في صُدغِهِ فمَاتَ . فقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلاَمِ ، فَأُتِىَ المَلكُ فَقِيلُ لَهُ : أَرَأَيت ما كُنت تحذَر قَد وَاللَّه نَزَلَ بِك حَذرُكَ . قد آمنَ النَّاسُ . فأَمَرَ بِالأخدُودِ بأفوَاهِ السِّكك فخُدَّتَ وَأضرِمَ فِيها النيرانُ وقالَ : مَن لَم يرجَع عن دينِهِ فأقحمُوهُ فِيهَا أو قيلَ لَهُ : اقتَحم ، ففعَلُوا حتَّى جَاءتِ امرَأَةٌ ومعَهَا صَبِيُّ لهَا ، فَتقَاعَسَت أن تَقعَ فِيهَا ، فقال لَهَا الغُلاَمُ : يا أمَّاه اصبرِي فَإِنَّكَ عَلَي الحَقِّ » روَاهُ مُسلَمٌ.

إن عقول هذه الفئة الكافرة لم تتغير منذ قديم الزمان إلى عصرنا الحالي (القرن الواحد والعشرين). فنرى اليهود ارتكبوا أبشع الجرائم في فلسطين المسلمة. والروس قاموا بأفظع المذابح في أفغانستان، والصرب قتلوا وشردوا ويتموا الكثير من العوائل في البوسنة والهرسك ومن بعدها في كوسوفا، ويعود الروس ثانية لجرح المسلمين جرحاً جديداً في الشيشان.

فنظرة البشر لكل شيء تطورت مع مرور الزمن إلا نظرة الكفار للمسلمين ودمائهم.

فنرى الجمعيات التي أنشأت للرفق بالحيوان، والمحافظة على البيئة، ولكن لم يتخذ أي إجراء حقيقي ولم تنشأ أي جمعية أو رابطة لحفظ دماء المسلمين وأعراضهم.

ولكن إخوتي الكرام.. لماذا كل هذا الحقد على المسلمين من جهة، وتجاهلهم من الجهة الآخر؟

لقد بين الله عز وجل هذا العداء وسببه في كتابه العزيز، حيث قال جل جلاله: }وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم{ البقرة 120

إنها قاعدة ربانية واضحة، تبين طبيعة العلاقة بين اليهود والنصارى وبين المسلمين (ولا يخفى على أحد دور اليهود والنصارى وتأثيرهم في إدارة العالم كله).. إن هذه العلاقة مبنية على الكره والحقد من هؤلاء (الضالين والمغضوب عليهم) تجاه المسلمين، والسبب في ذلك، هو أن المسلمين عرفوا الحق فاتبعوه، أما اليهود والنصارى عرفوا الحق فحاربوه، فهم يحسدون المسلمين على اتباعهم المنهج الصحيح الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ º ويشير الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله: }وَدَّ كَثِيرٌ مِّن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِّن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَدًا مِّن عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقٌّ فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللّهُ بأَمرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ{ البقرة 109

ومع وضوح هذه الآيات والتوجيهات الربانية، نجد من يوالي اليهود والنصارى، فيعقد اتفاقيات السلام، واتفاقيات الدفاع المشترك، وغيرها من الاتفاقيات.. وقد نهانا الله في آيات كثيرة عن هذا الفعل المجانب للصواب، حيث قال جل شأنه: } لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءهُم أَو أَبنَاءهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ, مِّنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ أُولَئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلآ إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحُونَ{ المجادلة 22

فبين المولى أن هذه المولاة من صفات المنافقين، أما الذين آمنوا فهم أبعد ما يكونون عن موالاة من حاد الله ورسوله ولو كانوا أولى قرباً لهم.

وأود أن أختم مقالي هذا بتوضيح أمر هام جداً، أو سبب هذه الابتلاءات التي تصيب المسلمين، من أقتل وتشريد وانتهاك أعراض وسلب أموال وغيرها. إن هناك سببين رئيسيين لهذه الابتلاءات هما:

الأول: اختبار المسلمين وتمحيصهم لمعرفة المؤمن من المنافق، وتربية المؤمنين وتعويدهم على الشدائد، ورفع مقام المؤمنين عند الله بزيادة حسناتهم لصبرهم على هذا الابتلاء.

الثاني: الابتعاد عن الدين. وفي قول سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إشارة واضحة لهذا المعنى حيث قال: ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)). فلن ينفعنا الشرق ولا الغرب إذا ابتعدنا عن الإسلام.

وفي الختام.. اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً.. اللهم آمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply