إبراهيم - عليه السلام - وبناء الكعبة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

وبعد:

أخي الكريم إنه حري بك وأنت تتجه كل يوم في صلاتك إلى هذا البيت المحرم أن تتعرف على تاريخه، ولا أظنك إلا من النهمين الحريصين على تعلم ذلكº وبخاصة أن هذا البيت خير مكان على الأرض منه شع نور الإسلام، وبعث فيه خير الأنام سيدنا وقائدنا ونبينا محمد - عليه الصلاة والسلام -.

إن قصة بناء الكعبة قصة عظيمة، تتضح فيها عظمته وأهميته، فقد احتاج أبو الأنبياء وخليل الرحمن أن يضع أسرته هناك حيث لا أنيس ولا جليس من أجل هذا البيت.

قال البخاري في صحيحه: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ,: ((جَاءَ إِبرَاهِيمُ بهاجر وَبِابنِهَا إِسمَاعِيلَ وَهِيَ تُرضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِندَ البَيتِ عِندَ دَوحَةٍ, فَوقَ زَمزَمَ فِي أَعلَى المَسجِدِ وَلَيسَ بِمَكَّةَ يَومَئِذٍ, أَحَدٌ وَلَيسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِندَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبرَاهِيمُ مُنطَلِقًا فَتَبِعَتهُ أُمٌّ إِسمَاعِيلَ فَقَالَت يَا إِبرَاهِيمُ أَينَ تَذهَبُ وَتَترُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الَّذِي لَيسَ فِيهِ إِنسٌ وَلا شَيءٌ فَقَالَت لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لا يَلتَفِتُ إِلَيهَا فَقَالَت لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَم قَالَت إِذَن لا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَت فَانطَلَقَ إِبرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِندَ الثَّنِيَّةِ حَيثُ لا يَرَونَهُ استَقبَلَ بِوَجهِهِ البَيتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيهِ فَقَالَ رَبِّ {إِنِّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ, غَيرِ ذِي زَرعٍ, عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ} حَتَّى بَلَغَ {يَشكُرُونَ}.

وَجَعَلَت أُمٌّ إِسمَاعِيلَ تُرضِعُ إِسمَاعِيلَ وَتَشرَبُ مِن ذَلِكَ المَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَت وَعَطِشَ ابنُهَا وَجَعَلَت تَنظُرُ إِلَيهِ يَتَلَوَّى أَو قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانطَلَقَت كَرَاهِيَةَ أَن تَنظُرَ إِلَيهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقرَبَ جَبَلٍ, فِي الأرضِ يَلِيهَا فَقَامَت عَلَيهِ ثُمَّ استَقبَلَتِ الوَادِيَ تَنظُرُ هَل تَرَى أَحَدًا فَلَم تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَت مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ رَفَعَت طَرَفَ دِرعِهَا ثُمَّ سَعَت سَعيَ الإنسانِ المَجهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ ثُمَّ أَتَتِ المَروَةَ فَقَامَت عَلَيهَا وَنَظَرَت هَل تَرَى أَحَدًا فَلَم تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَت ذَلِكَ سَبعَ مَرَّاتٍ,.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ, قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَلِكَ سَعيُ النَّاسِ بَينَهُمَا.

 فَلَمَّا أَشرَفَت عَلَى المَروَةِ سَمِعَت صَوتًا فَقَالَت صَهٍ, تُرِيدُ نَفسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَت فَسَمِعَت أَيضًا فَقَالَت قَد أَسمَعتَ إِن كَانَ عِندَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالمَلَكِ عِندَ مَوضِعِ زَمزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَو قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ المَاءُ فَجَعَلَت تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَت تَغرِفُ مِنَ المَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعدَ مَا تَغرِفُ.

 قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ, قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَرحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسمَاعِيلَ لَو تَرَكَت زَمزَمَ - أَو قَالَ - لَو لَم تَغرِف مِنَ المَاءِ لَكَانَت زَمزَمُ عَينًا مَعِينًا)).

 قَالَ فَشَرِبَت وَأَرضَعَت وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا المَلَكُ لا تَخَافُوا الضَّيعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيتَ اللَّهِ يَبنِي هَذَا الغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهلَهُ.

وَكَانَ البَيتُ مُرتَفِعًا مِنَ الأرضِ كَالرَّابِيَةِ تَأتِيهِ السٌّيُولُ فَتَأخُذُ عَن يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.

 فَكَانَت كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّت بِهِم رُفقَةٌ مِن جُرهُمَ أَو أَهلُ بَيتٍ, مِن جُرهُمَ مُقبِلِينَ مِن طَرِيقِ كَدَاءٍ, فَنَزَلُوا فِي أَسفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ, لَعَهدُنَا بِهَذَا الوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرسَلُوا جَرِيًّا أَو جَرِيَّينِ فَإِذَا هُم بِالمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخبَرُوهُم بِالمَاءِ فَأَقبَلُوا قَالَ وَأُمٌّ إِسمَاعِيلَ عِندَ المَاءِ فَقَالُوا أَتَأذَنِينَ لَنَا أَن نَنزِلَ عِندَكِ فَقَالَت نَعَم وَلَكِن لا حَقَّ لَكُم فِي المَاءِ قَالُوا نَعَم.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ,: قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: ((فَأَلفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبٌّ الأنسَ فَنَزَلُوا وَأَرسَلُوا إِلَى أَهلِيهِم فَنَزَلُوا مَعَهُم حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهلُ أَبيَاتٍ, مِنهُم وَشَبَّ الغُلامُ وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنهُم وَأَنفَسَهُم وَأَعجَبَهُم حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدرَكَ زَوَّجُوهُ امرَأَةً مِنهُم.

وَمَاتَت أُمٌّ إِسمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبرَاهِيمُ بَعدَمَا تَزَوَّجَ إِسمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَم يَجِد إِسمَاعِيلَ فَسَأَلَ امرَأَتَهُ عَنهُ فَقَالَت خَرَجَ يَبتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَن عَيشِهِم وَهَيئَتِهِم فَقَالَت نَحنُ بِشَرٍّ, نَحنُ فِي ضِيقٍ, وَشِدَّةٍ, فَشَكَت إِلَيهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوجُكِ فَاقرَئِي - عليه السلام - وَقُولِي لَهُ يُغَيِّر عَتَبَةَ بَابِهِ.

 فَلَمَّا جَاءَ إِسمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيئًا فَقَالَ هَل جَاءَكُم مِن أَحَدٍ, قَالَت نَعَم جَاءَنَا شَيخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنكَ فَأَخبَرتُهُ وَسَأَلَنِي كَيفَ عَيشُنَا فَأَخبَرتُهُ أَنَّا فِي جَهدٍ, وَشِدَّةٍ, قَالَ فَهَل أَوصَاكِ بِشَيءٍ, قَالَت نَعَم أَمَرَنِي أَن أَقرَأَ عَلَيكَ السَّلامَ وَيَقُولُ غَيِّر عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَد أَمَرَنِي أَن أُفَارِقَكِ الحَقِي بِأَهلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنهُم أُخرَى.

فَلَبِثَ عَنهُم إِبرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُم بَعدُ فَلَم يَجِدهُ فَدَخَلَ عَلَى امرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنهُ فَقَالَت خَرَجَ يَبتَغِي لَنَا قَالَ كَيفَ أَنتُم وَسَأَلَهَا عَن عَيشِهِم وَهَيئَتِهِم فَقَالَت نَحنُ بِخَيرٍ, وَسَعَةٍ, وَأَثنَت عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُم قَالَتِ اللَّحمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُم قَالَتِ المَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِك لَهُم فِي اللَّحمِ وَالمَاءِ)).

قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: ((وَلَم يَكُن لَهُم يَومَئِذٍ, حَبُّ وَلَو كَانَ لَهُم دَعَا لَهُم فِيهِ قَالَ فَهُمَا لا يَخلُو عَلَيهِمَا أَحَدٌ بِغَيرِ مَكَّةَ إِلا لَم يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوجُكِ فَاقرَئِي - عليه السلام - وَمُرِيهِ يُثبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسمَاعِيلُ قَالَ هَل أَتَاكُم مِن أَحَدٍ, قَالَت نَعَم أَتَانَا شَيخٌ حَسَنُ الهَيئَةِ وَأَثنَت عَلَيهِ فَسَأَلَنِي عَنكَ فَأَخبَرتُهُ فَسَأَلَنِي كَيفَ عَيشُنَا فَأَخبَرتُهُ أَنَّا بِخَيرٍ, قَالَ فَأَوصَاكِ بِشَيءٍ, قَالَت نَعَم هُوَ يَقرَأُ عَلَيكَ السَّلامَ وَيَأمُرُكَ أَن تُثبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنتِ العَتَبَةُ أَمَرَنِي أَن أُمسِكَكِ.

ثُمَّ لَبِثَ عَنهُم مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعدَ ذَلِكَ وَإِسمَاعِيلُ يَبرِي نَبلًا لَهُ تَحتَ دَوحَةٍ, قَرِيبًا مِن زَمزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصنَعُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ وَالوَلَدُ بِالوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمرٍ, قَالَ فَاصنَع مَا أَمَرَكَ رَبٌّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَن أَبنِيَ هَا هُنَا بَيتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ, مُرتَفِعَةٍ, عَلَى مَا حَولَهَا قَالَ فَعِندَ ذَلِكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ البَيتِ فَجَعَلَ إِسمَاعِيلُ يَأتِي بِالحِجَارَةِ وَإِبرَاهِيمُ يَبنِي حَتَّى إِذَا ارتَفَعَ البِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيهِ وَهُوَ يَبنِي وَإِسمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولانِ {رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} قَالَ فَجَعَلا يَبنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَولَ البَيتِ وَهُمَا يَقُولانِ {رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ}رواه

أخي الحبيب: إنّ في هذه القصة فوائد عظيمة منها:

1- التسليم المطلق لله - تعالى -، فإبراهيم يدع امرأته وطفلها في أرض موحشة غريبة قفراء لا ماء فيها ولا شجر استجابةً وطاعةً لله - تعالى -، مع ما عرف عنه من الشفقة والرحمة، ولكن التسليم لأمر الله - تعالى -فوق كل شئ.

2- امتحان الأنبياء بأولادهم وهل يقدمونهم فداءً لطاعة ربهم أم لا.

3- أن البلاء والمحن التي تنـزل بالمسلم لا تعني أن الله - تعالى -تخلى عنه، أو أراد تعذيبه بل إنه ربه أرحم به من نفسه، ولكن النفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث، وتصلح من نفس المبتلى وقلبه، ويستعلي به على الشح بالنفس والمال، ويخرج أفضل ما عنده من مزايا وطاقات، ولهذا كان أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وهذا خليل الله وأبو الأنبياء - عليهم السلام - تتوالى عليه المحن والفتن فيخرج منها نقياً تقياً، صابراً محتسباً، مسلماً أمره لله - جل وعلا -، حتى أصبح أمةً بنفسه{إِنَّ إِبرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}.

4- تربية إبراهيم أسرته على الطاعة والتسليم الكامل لأمر الله - عز وجل -.

5- قوة إيمان هاجر وعظم توكلها وثقتها بربها - عز وجل - \"إذن لا يضيعنا\".

6- التوجه إلى الله وحده بالدعاء والتضرع في كل حال، فإبراهيم - عليه السلام - لما نفذ أمر ربه بوضع أسرته في ذلك الموقع الموحش، توجه إلى الله بالدعاء لهم بالأنس والرزق والبركة، ومن توكل على الله كفاه، ومن ركن إليه آواه، ومن سأله وتضرع إليه أعطاه.

7- إن الله - سبحانه وتعالى - لا يضيع من توكل عليه وحده وسلم الأمر إليه، مهما ادلهمت الخطوب واشتدت الكروب، فإنه لا يأس من روح الله ورحمته. فهذه أم إسماعيل لما انتهى طعامها وماؤها أرسل الله إليها غوثاً من عنده، وأجرى لها الماء بأمره - جل وعلا -.

8- من أقبل على الله - تعالى -والتزم أمره وتوجه إليه بالعبادة دون سواه، رفع الله ذكره في العالمين، انظر رحمك الله كيف بقيت ذكرى أم إسماعيل في السعي إلى يومنا هذا.

9- من كان همه الدنيا والتمتع فيها فلا يصلح أن يجاور نبياً من أنبياء الله - تعالى -أهل العبادة والصلاح والعمل والهمة العلية، ولهذا أمر إبراهيم - عليه السلام - ابنه إسماعيل أن يطلق تلك المرأة التي شكت إليه شدة العيش.

 وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply