هل التعذيب وسيلة ناجحة ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مع كثرة ما يرد من أخبار حول انتهاك العديد من المحققين للقوانين الخاصة بحقوق الإنسان، واستخدام أساليب شديدة القسوة لانتزاع اعترافات أو معلومات، وبعد مرور سنوات على إصرار \"تحالف الحرية\" على استخدام المعتقلات السرية وغير السرية، على الرغم من تسرب فضائح التعذيب منها، أصبح السؤال الذي يطرح نفسه وبصورة ملحة: هل التعذيب مجدٍ, وله نتائج أفضل من أساليب الاستجواب التقليدية؟!!

وهنا سنناقش الأمر بعيدًا عن جوانبه الشرعية أو الخلقية، لا للتقليل من أي منها ولكن للبحث في مدى فعالية التعذيب، فإذا كان التعذيب لا يفيد أكثر من أية وسيلة أخرى فليس هناك حاجة لمناقشة أي جانب آخرº لأن المسألة تصبح ببساطة أن التعذيب في حد ذاته لا يفيد.

فبالنظر إلى الأخبار المتعلقة بأساليب التعذيب التي استخدمت في السجون الشهيرة كمعتقل جوانتانامو أو سجن \"أبو غريب\" أو أي من سجون \"الحرية\" و\"الديمقراطية\" المستخدمة في الحرب ضد \"الإرهاب\" لم يكن هناك أي دليل حقيقي على أن التعذيب كان مجديًا.

حتى التقرير الأخير لمكتب التحقيقات الفيدرالي \"إف بي آي\" الذي نشر قريبًا لم يتضمن سوى صنوف التعذيب التي استخدمها المحققون خلال استجواب المعتقلين. ولم يشر على الإطلاق ما إذا كانت تلك الأساليب قد أثمرت أية نتائج.

إن المنطق قد يقول: إن التعذيب ربما يكون مجديًا في بعض الحالات، لأنه من غير المنطقي أن يكون كل أولئك المحققين الذين مارسوا هذا الأمر على خطأ، وإن كانت الكثرة أو القلة ليست هي المؤشر الذي يعتمد عليه في معرفة الغث من الثمين.

لقد عرض الإعلام أعدادًا من الخبراء راحوا يؤكدون أن أساليب الاستجواب التقليدية أكثر فعالية من التعذيب. وربما حرص الإعلام على انتقاء شخصيات بعينها ليؤكد من خلالها وجهة نظره التي يتبناها. ولكن كان هناك شيء واحد مشترك يجمع بين هؤلاء الخبراء أن أيًا منهم لم يستخدم أسلوب التعذيب في عمليات الاستجواب. فمن أين يمكن أن يأتيهم اليقين بأن التعذيب لا يفيد كخيار جيد في عمليات الاستجواب؟!

والواقع أنه يصعب وجود شخص يعترف باستخدامه لأسلوب التعذيب، والأصعب أن نجد أحد الذين تعرضوا للتعذيب ثم يقر به كأسلوب للاستجواب. ولكن ربما تستطيع الحكومة الأمريكية أن تجد أحد عملاء السي آي إيه يوافق على أن يظهر دون أن تبدو ملامحه الحقيقية ليقول بصوته: إنه رأى بعينه أن التعذيب يأتي بنتائج ممتازة.

كل هذا صحيح، ولكنّ هناك آراءً كثيرة للغاية تتفق على أن التعذيب يأتي بنتائج عكسيةº وذلك لأن الأشخاص الواقعين تحت التعذيب يضطرون إلى قول أي شيء لإنهاء الآلام والمعاناة. وتكون النتيجة إهدار وقت ثمين وموارد في مطاردة أهداف كاذبة. وهناك العديد من الأدلة التي تثبت صحة وجهة النظر هذه والتي منها تردي حال قوات التحالف أمام طالبان في أفغانستان على الرغم من اعتقالها لبعض قادتها هناك بجوانتانامو.

أما من يعتمد الأذى كوسيلة ناجعة فإنه في الغالب يخطئ، ففي غزوة بدر بعث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-  نفرًا من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها غلامان فسألوهما، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما آذوهما قالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما، وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد سجدتيه ثم سلم وقال: \"إذا صدقاكم ضربتوهما وإذا كذباكم تركتموهما\".

ثم بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدير التحقيق ويستنبط ويستنتج فقال: \"أخبراني عن قريش! \" قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما: \"كم القوم؟! \" قالا: كثير، قال: \"ما عدتهم؟! \" قالا: لا ندري، قال: \"كم ينحرون كل يوم؟! \" قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: \"القوم ما بين التسعمائة والألف\".

ويذهب البعض إلى القول بأن التعذيب قد يكون مجديًا إذا لم يعرف الشخص الذي يخضع للتعذيب أن لدى مستجوبيه معلومات يمكن أن تفند اعترافاته.

وبغض النظر عن مدى تكرار مثل هذه الحالة إلا أن هناك من يرى أنه ومع مثل تلك الحالات لا ينبغي استخدام العنف الذي يدل على قصور عقل المحقق وقلة قدراته في الوصول لنتائج إيجابية تفيده في تحقيقه.

ويرى آخرون أن من يتجه مباشرة للعنف قبل استنفاد الوسع في الدراسة والتفكير في الأقوال والأحداث إنما هو شخص غير جدير بأن يوصف بصفة المحقق لافتقاده الصبر والأناة من جانبº ولكونه يجعل العقل والفكر آخر ما يلجأ إليه، ثم هو يرى في الأذى الحل الأمثل للوصول إلى الحقيقة، بل هو من النوع الذي يعرف حقيقة نفسه وقدراته بأنها أقل بكثير من مستجوبه الذي ربما يستجوب للمرة الأولى في حياته، ومن المفترض في المحقق أنه مارس عملية الاستجواب لمرات عديدة، فضلاً عن مرحلة تدريب طويلة.

بل إننا إذا أمعنا النظر لوجدنا أن غالب من يستجوَب يكون خائفًا حتى ولو كان بريئًا، ومن ألم به الخوف يكون عرضة أكثر للخطأ وسوء التفكير وعدم القدرة على ترتيب الكلام وتحويره، أما المحقق فإنه الأوفر حظًا في هذه المبارزة إن صح التعبير، فهو الأهدأ أعصابًا، والأوسع خبرة وتفكيرًا، وهو الذي يحدد موعد بدء التحقيق وهو الذي ينهيه.

إن المستجوب الذي يبدأ بالضرب بدلاً من السؤال إنما يشعر بالنقص، ولكن قد يلتمس له العذر لأن الكثير من الأنظمة تبث في نفوس هؤلاء المحققين أن من يحققون معهم إنما هم العدو الذي ينبغي القضاء عليه، فتتحرك نفوسهم تجاه التخلص من الشحنات النفسية المتولدة، خاصة إذا كانت القضية تتعلق بأشخاص ممن التصقت بهم صفة \"الإرهاب\" أو \"التطرف\".

وفي الختام أحب أن أبين أن الطبيعة الإنسانية هي التي توفر صمام الأمان.فسواء وجدت قوانين لمنع التعذيب أم لم توجد فإن طبيعة نفس المحقق هي وحدها التي ستقف حائلاً لمنع التعذيب أو إباحته، لذا يجب التعامل مع هذه الطبيعة لجعلها سوية وأكثر بعدًا عن العنف.

ويبقى في النهاية العبء والمسئولية على مؤيدي التعذيب أن يقدموا لنا أدلة وقرائن على أن التعذيب في حد ذاته سياسة معقولة ومجدية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply