طفلك في السابعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

سن السابعة هي السن التي أمرك فيها حبيبك محمد - صلى الله عليه وسلم - أن تأمر فيه أولادك بالصلاة، يميل ابن السابعة أن ينسحب من مواقف كثيرة، ويراقبها فقط، يميل للتأمل والاستقرار، ويفضل الوحدة نسبياً، وهذا التأمل وهذه العزلة النفسية التي هيأها الخالق العظيم لابن السابعة، وأشارت إليها معاهد متخصصة في هذا المجال كمعهد ديزل لنمو الطفل في الولايات المتحدة، هذا التأمل وهذه العزلة عند ابن السابعة تكشف لنا جزءاً محتملاً من الحكمة الشرعية في تحديد سن السابعة بالذات لبدء أمر الطفل بالصلاة كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داوود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)، فاختيار هذا التوقيت - سن السابعة - تحديداً لبدء الأمر بالصلاة له حكمته، ولعل من هذه الحكمة أن الصلاة تحتاج إلى قدر من التدبر والتأمل، والاستقرار والسكون، والعزلة النفسية عن العالم الخارجي وشواغله، وهي صفات هيأها الخالق العظيم بحكمته البالغة - جل وعلا - في هذا العمر، فسبحان الله الخالق البارئ المصور الذي علّم من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -، نسأل الله أن يرزقنا حسن اتباعه، والسير على هديه، هذه من ناحية الصلاة.

أما من ناحية الأنشطة والمهارات الحياتية فإن التأمل والمراقبة عند ابن السابعة هي المرحلة الأولى لإتقان هذه الأنشطة والمهارات، ويتبعها مراحل أخرى - كما سيأتي بإذن الله -، وكلها جعلها الله - سبحانه وتعالى - إعداداً للطفل، وعوناً لوالديه على تربيته، ودورنا هو توجيه طاقة التأمل الذهبية المتفجرة في هذا السن إلى ما ينفع الطفل، فيحرص الوالدان على إبعاد أو التقليل من الأجهزة التي تنصرف فيها هذه الطاقة هدراً في غير ما ينفع ليخلو المجال أمامه فيتأمل ما يراه من أنشطة إيجابية، ومسؤوليات ومهام للأب والأم أياً كانت هذه الأنشطة سواء من الناحية التعبدية أو الاجتماعية أو المسؤوليات المنزلية النافعة من ترتيب تنظيف وتصليح وأعمال المطبخ خصوصاً إذا كانت الأم تشجع بناتها وأبناءها على دخول المطبخ، ومشاركتها، وتصبر على جهلهم وأخطائهم، ويمكن للأب توجيه طاقة التأمل عند الطفل إلى الطبيعة، ومن خلق هذا الكون، وأن الخالق الله العظيم والمستحق وحده للعبادة، خيِّم بالبر، اصعد معه جبلاً صغيراً، اجلس معه على بحر نصيد، خذه إلى المزارع ليرى رحمة الطيور وهي تطعم صغارها، الورقة التي سقطت من الشجرة خذها وضعها في يده، وقل له: انظر هذه الورقة اليابسة، انظر اللون الأصفر، هذه الأملاح الزائدة التي تضر الشجرة، هذه الورقة جمعت هذه الأملاح الزائدة لتحمي أخواتها، وسقطت وماتت، وتصير سماداً تتغذى عليه الشجرة إذا احتاجت، فالورقة تموت لتحيى الشجرة كلها، فهل تتوقع كم من ورقة سقطت من هذه الشجرة ليل نهار منذ أن زرعت.. كثير صح!

وكل الشجرة يا ولدي لا تكون قوية وعزيزة إلا إذا تقدموا أبنائها للموت ليل نهار من أجلها، فكم تظن يا ولدي ورقة سقطت من كل هذه الأشجار من وقت ما وضعت هذه الورقة في يدك؟ أنا وأنت لا نعرف، لكن الله - سبحانه وتعالى - يعرف كل ورقة سقطت من كل شجرة في الدنيا في كل الأزمان، يقول الله - سبحانه وتعالى -: ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ, إِلَّا يَعلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ, فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ, وَلا يَابِسٍ, إِلَّا فِي كِتَابٍ, مُبِينٍ,))(الأنعام:59)، وهذا شيء يسير جداً جداً من علم الله - سبحانه -.

انظر لهذه المواشي كيف تُذبح، الله - سبحانه وتعالى - هو الذي خلقها وخلقنا، أمرنا أن نتقرب إليه وحده بذبحها، ونتقرب إليه وحده في كل عباداتنا، قل له وأنت تظهر الألم الشديد: هل تصدق يا ولدي أن هناك أناس يعبدون البقر، وأناس يعبدون الثيران، وإذا كان البقر والثيران حية تتحرك، فإن هناك أناس أردى، أناس يعبدون حتى الأموات، تخيل يدعونهم ويذبحون لهم، ويتبركون بهم، هل تصدق أن هناك أناس يقولون: إنهم مسلمون ويفعلون هذه الأفاعيل؟ نسأل الله -تعالى- أن يثبتنا على التوحيد ويميتنا عليه، هذه نعمة أن تصير في أسرة توصيك بالتوحيد، وتحذرك من أعظم مصيبة وأكبر وأقبح ذنب يقع فيه الإنسان، تحذرك من الشرك.

وهكذا تستغل كل مناسبة ممكنة في هذا العمر وغيره حتى آخر يوم في حياتك لتعظم عنده أمر التوحيد، وتحذره من الشرك بأنواعه، وتقرر هذه القضية في نفسه حتى يكون توحيد الله قضية حياته الكبرى، تأمل كيف جعلها الله أولى وصايا لقمان لابنه وأعظمها ((وَإِذ قَالَ لُقمَانُ لاِبنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ))(لقمان:13)، قضية التوحيد هي خير ما تستثمر فيه طاقة التأمل الذهبية عند طفلك، وكذلك بقية وصايا لقمان وما يتفرع عنها.

إذن في سن السابعة تقريباً يميل الطفل إلى التأمل والفردية، والعزلة النفسية بدون مشاركة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply