في زمن المتغيرات كيف أربي ابني؟


  

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال

عصرنا عصر تلاطمت فيه الفتن والمغريات، فكيف نربى أولادنا التربية الإسلامية الصالحة؟

 

الإجابة

 إنه سؤال خطير، يوقظ للعمل، ويشعر بحجم المسؤولية، وثقل الأمانة الملقاة على عاتق الوالدين، خاصة في هذا العصر المليء بأنواع المغريات والفتن، وفي هذه العجالة نسلط الضوء على هذه القضية في محاولة لإبراز أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها لزرع القيم في نفوس الأبناء:

1- الاعتناء بالأسرة عند نشأتها، وذلك من خلال الاهتمام بحسن اختيار الزوجة والحرص على عنصر الدِين، مع المحافظة على بيئة جيدة محافظة من الجيران والأقارب والأصدقاء.

2- الحرص على زرع القيم والمبادئ من الطفولة المبكرة، وعدم تكرار العبارة المشهورة: (ما زال الوقت مبكراً) إن هذه العبارة تدمر هذا الصغير ولا تبنيه، فقد أخبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - بأن زرع هذه القيم والمبادئ تبدأ من وقت مبكر 0\" ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه\" رواه الشيخان عن أبي هريرة. إنها رسالة واضحة جداً، بأن هذا الصبي الصغير قابل للنقش عليه وصنعه من مراحل مبكرة جداً، وفي قضايا دقيقة جداً كقضية التدين مثلاً.

وأثبتت الدراسات المعاصرة أن شخصية الطفل تبنى تربوياً في السنوات الخمس الأولى، فأين نحن منها؟

(وقد لا حظ الباحثون في النمو العقلي للطفل أن ذكاء الطفل يتم بنسبة 50% في السنوات الأربع الأولى، و 30% ما بين الرابعة والثامنة، و 20% ما بين الثامنة والسابعة عشرة) (محمد بن عبد الرحيم عدس: الآباء وتربية الأبناء ص 17).

3- قيام الوالدين بهذا الدور الخطير، وعدم جعل أشخاص آخرين يتولون ذلك وأقصد بهم الخدم والسائقين فإن تأثيرهم كبير على حياة الأبناء.

4- توفير قدوات داخل المنزل تتمثل هذه الأخلاق في حياتها، ليقتدي بهم الأبناء فالكذب والغش وبذاءة اللسان وغيرها من الأمور التي ينبغي للمربي أن يبتعد عنها لتصل بطريقة عملية للأبناء.

5- الاهتمام بالمراحل العمرية وإعطاء كل سن ما يناسبه، فابن الثالثة مثلاً لا يدرك المعاني ولا يفهمها كالرحمة مثلاً والعفو وغيرها، وإنما يتعلم من المحسوسات أكثر، وقد أعتنت الشريعة بهذا الجانب فأمرت الوالدين بتعليم الناشئ الصلاة وهو ابن سبع سنين، وأمرت بالتفرقة في المضاجع وهم أبناء عشر وهكذا.

وهنا قضية أرجوا أن ينتبه لها الوالدان والمربون وهو ربط الحقائق الشرعية بأمور يفهمها الأبناء فتصل إلى آذانهم بأسرع ما يمكن.

فمثلاً لو جئنا إلى قيمة الفضيلة والرذيلة، يمكن أن نشرح لأبنائنا الساعات الطوال عن هذه القضية، لكن لو قلنا لهم وشرحنا:

- تأثير الحقد والحسد على ضغط الدم والقلب.

- تأثير الفواحش في صحة الجسم، والأمراض الفتاكة التي تنقلها.

- تأثير الصدق والعفة على راحة الجسد، وحصول الطمأنينة داخل النفس.

- اندفاع الدم في شرايين الجسد حالة السجود في الصلاة، والتأثيرات الإيجابية لذلك.

- التخريب والفساد الذي يلحقه حب الانتقام والأثرة والبغضاء بأبناء المجتمع.

فلنحاول أن نقرب هذه المعاني بأساليب رائعة وجديدة حتى تصل إلى أذهان أطفالنا وترسخ فيها، وكثير من الأطفال لا يأكلون التفاحة لأنها مفيدة، بل لأنها عطرة الريح، لذيذة الطعم.

6- وضع ضوابط داخل المنزل وخطوط حمراء ينبغي أن لا يتجاوزها أحد من أفراد الأسرة، فيمنع رفع الصوت والسب والكذب وهكذا، وفي المقابل يثنى على المحسن والصادق وحسن الأخلاق.

7- توفير البدائل وتوجيه الطاقات.

فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فلا ينبغي أن يترك الأبناء في فراغ نفسي يجعل الرذائل تتعلق بهم وتعيش معهم، ومن الخطأ أن تكبت طاقات الأبناء، ولكن الصواب هو توجيهها الوجهة الصحيحة.

8- حصار الرذائل.

ينبغي للمربي أن يحاصر الرذائل في المكان الذي يستطيع السيطرة عليه، وما لا يدرك جُلّه، لا يترك كله، وتكمل هذه القضية عندما تتفق الأسر القريبة من بعض على إيجاد بيئة محافظة فيما بينها كالجيران والأقارب ونحوهم، ولنتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" لا تصاحب إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي\" إنه درس في انتقاء العناصر التي تعينك على طاعة الله وتحثك عليه، وقضية الأكل في الحديث قضية مهمةº لأن الأكل دائماً يدل على التقارب والجلوس والمصافاة، فاختير له من يناسبه.

لقد ولى زمان العبارة المتكررة (لقد أديت واجبي، ونصحت له) بل الواجب اليوم الرقابة الدائمة حتى لا يقعوا في أي فخ.

ولكي يقوم الوالدان بدورهم في هذه القضية على أتم وجه، هذه مقترحات سريعة لمن لهم الشأن في ذلك: -

- العمل على إنشاء مراكز التوجيه الأسري لتبصير الآباء بدورهم التربوي.

- العمل على فتح المدارس بالفترة المسائية لتعليم الوالدين، حتى تكون المدرسة فعلاً مؤسسة تربوية، وبدلاً من الدورات التي تقصم الظهر بالمبالغ الباهضة ولو أضفت لها (لا) لكان أصح لتصبح (دولارات).

- تفعيل هذه القضايا في وسائل الإعلام وباستمرار.

- تكريم الأسر المتميزة ومن لهم تجارب ناجحة مع أبناءهم.

- تفعيل دور المسجد واستثماره في زرع القيم والمبادئ.

- إصدار صحف مجانية يتبناها أصحاب الصلاح توزع على الأسر لرفع المستوى التربوي، أليست هذه المجلة أهم من إعلان عن بيع جوال أو نحوه؟ !

هذه مقترحات أضعها بين يديك أيها المربي الكريم، وكلي أمل في أن تتواصل معي في هذه الزاوية من خلال البريد الموجود، وفقك الله ورعاك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply