المنهج الخفي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

المنهج الخفي أو المستتر مصطلح تربوي له دلالته الواضحة لدى المختصين في التربية، وقد زاد تداوله في الآونة الأخيرة من قِبَل عدد من غير المختصين، وتم استعماله في غير دلالته الاصطلاحيةº مما حدا بغيرهم إلى إنكار هذا المصطلح أصلاً والادعاء بأنه اختراع من هؤلاء.

وبغض النظر عن توظيف المصطلح في غير دلالتهº فهو مصطلح تربوي لا ينبغي أن يخفى مفهومه على المهتمين بالشأن التربوي.

ويُعنى بالمنهـج الخفي - ويسمى أحياناً المنهج المستتر أو الكامن -: كل ما يمكن تعلٌّمه في المؤسسة التربوية من تعلٌّم غير مقصود وغير موجود في المنهج الرسمي.

ويمكن استنباط المنهج الخفي من خلال أمور عدة:

ـ من القوانين واللوائح الداخلية والقواعد والتنظيمات العامة الموجودة في المؤسسة التربوية.

ـ ومن العلاقات العامة الموجودة داخل المؤسسة التربويةº كعلاقة الناظر بالمعلمين، وعلاقته بالطلاب، وعلاقة الأب بأبنائه والشيخ بطلابه، وعلاقتهم به.

ـ ومن خلفيات هذه الفئات المختلفة: الطبقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.

ـ ومن طبيعة بنيان المؤسسة التربوية والأثاث المستخدم للطلاب والعاملين، وطبيعة المنافع والمرافق العامة.

ـ ومن شكل المعرفة داخل المؤسسة التربوية وليس مضمونها(1).

إن الموقف التربوي يحوي عناصر مخططاً لها ومقصودة من قِبَل المربي، كما يحوي عناصر عدة غير مقصودة وغير مخطط لها، هذه الأخيرة - المنهج الخفي - ربما تركت آثاراً سلبية تفوق ما هو مخطط له وما هو مقصود.

حين يسود في البيئة التربوية حماس المربي لآرائه، ويسعى دائماً للمبالغة في إقناع المتربين باختياره الشخصي، ويحشد الأدلة العديدة لتأييدها وإثباتها، فإن المعنى المقصود والمخطط له هو هذه الآراء وتلقيهم لها، لكنهم يتعلمون مع ذلك التطرف في التفكير، والموقف الحاد في تشكيل الآراء والمواقف.

وحين تسود في البيئة التربوية اللغة الحادة في انتقاد المخالفين، والسعي لربط كل رأي مخالف بأصل لا يُختَلَف حوله حتى يثبت أنه مختلف في الأصول ـ حين تسود هذه السمة فإنها تربي في الأفراد التعصب والبغي على المخالف وتتبع العثرات والزلات.

وحين يعيش المتربي في بيئة تتعامل تعاملاً هادئاً مع المواقف، وتمارس التفكير والتحليل للآراء، ويعتاد أن يتلقى الأفكار مبررة بأدلة موضوعيةº فإنه يتعلم - بالإضافة لما يتلقاه من محتوى بشكل مباشر - ممارسة التفكير في التعامل مع المواقف الجديدة.

ثمة أهداف عدة يسعى المربون إلى تحقيقها، لكن اختزالهم للموقف التربوي في المنهج المعلن والمخطط له يعوقهم عن اكتشاف جوانب الإخفاق لدى المتربين، ويقودهم في حالات كثيرة إلى معالجة هذه المواقف بصورة مباشرة من خلال عنصر المحتوى وحده، وربما قُدِّم المحتوى بطريقة تعوق عن تحقيق أهدافه، كمن يتحدث عن العمق وبُعد النظر بطريقة سطحية.

كما أن الوعي بذلك يفسر كثيراً من حـالات القصـور، أو حالات التميز التربوي لدى المتربين.

وهو أيضاً يزيد من قدرة المربين على التحكم في الموقف التربوي، وينقل كثيراً من عناصر المنهج الخفي إلى دائرة المنهج المعلن نظراً لأنها قد أصبحت مقصودة ومخططاً لها.

ولن يصل المربي مهما بلغ إلى التحكم بكل صغيرة وكبيرة، والتخطيط الدقيق لكل موقف، لكن المطلوب منه الارتقاء بأدائه، وزيادة دائرة تحكمه في المنتج التربوي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply