حول تنمية الشخصية .. صحوة جديدة ( 1 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لا شك في أننا نشهد اليوم صحوة جديدة صغيرة داخل الصحوة القديمة الكبيرة، وهذه الصحوة التي بزغ نجمها من قرابة عشر سنوات تتمحور حول فكرة جوهرية، هي وجود فرص وإمكانات هائلة لتقدم الأمة من خلال تقدم الفرد المسلم، وهذا التقدم يشمل كل جوانب الشخصية. وفي ظني أن الإخفاق الذريع الذي مُنيت به الحركات والجهود الإصلاحية على الصعيد السياسي والاقتصادي والصناعي، حرّض الوعي المسلم على البحث عن حقول جديدة لممارسة الإصلاح، ومال كثير من الناس إلى الحقل الفردي بوصفه الحقل البسيط الذي لا يحتاج إلى تكتلات وتنظيمات، كما لا يحتاج إلى بنية تحتية متطورة أو وضع سياسي رشيد. ولعلي ألمس في هذا الإطار المعاني الآتية:

1- حين تتدهور أحوال مجتمع من لمجتمعات يرتبك الوعي لديه، ويشعر الناس بانسداد الآفات، ويصبح الحديث عن التقدم والازدهار عبارة عن تفاؤل لا معنى له، وتصبح مهمة أذكياء المجتمع هي التنديد بالمآسي التي يعيش فيها الناس وإظهار العجب من صور الانحطاط المتزايد، وهذا ما ابتليت به أمة الإسلام قرونًا قاربت الستة أو السبعة، وقد لاحظ بعض الذين درسوا مقدمة ابن خلدون، أن فكرة التغيير وإمكانية الإصلاح والتجديد كانت غائبة عن الكتاب، حيث انهمك الرجل الفذ والنابغة في شرح طبائع الملك والعمران ووصف أحوال الحضر والبادية... وحين يتناول الباحثون أسباب ما هم فيه من تدهور، فإنّ تناولهم يأخذ طابع التعميم والتركيز على الأسباب الكبرى على نحو الإجمال، تمامًا كما يقول بعض الناس اليوم، إن السبب الكامن وراء ما نحن فيه يعود إلى البعد عن الإسلام أو فساد السياسة أو انتشار الجهل أو تدخل القوى الأجنبية... وهذا لا يبتعد عن الحقيقة، لكنه أيضًا لا يختلف عن الكلام الذي تلوكه الألسنة في مجالس السمر الطويلة، حيث العامة وأشباه العامة، أي أن هذا الكلام بهذا التعميم ليس كلام باحثين حقيقيين، ولا يساعد الأمة على النهوض من كبوتها.

2- هذه الصحوة الجديدة، وهذا الانتباه القوي نحو تطوير الذات مدين إلى حد بعيد إلى الكتب المترجمة عن الإنجليزية -غالبًا- كما أنه مدين لجهود أولئك الدارسين الذين نهلوا من علوم الغرب، ثم عادوا إلى ديارهم ليشرحوا للناس عندنا ما تعلموه هناك، والحقيقة أن معظم الأفكار التي نتداولها الآن تم إنتاجها وتطويرها في قطاعات الصناعة والتجارة والإدارة والمال والأعمال في الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير منها يتعلق بالفاعلية الإنتاجية للشركات، وباللياقة المهنية والاجتماعية التي ينبغي أن يتصف بها مدراء المؤسسات الكبرى وكبار موظفيها. قد يقول قائل: هذا الكلام فيه هضم لتراثنا المتراكم في مجال التحفيز الذاتي والارتقاء الشخصي، بل إن هناك من يستطيع القول: إن كل ما نأخذ عن الغرب في هذا الشأن هو عبارة عن بضاعة نستردها ممن أخذها عنا بعد أن أحسن تغليفها وإدخال بعض التحسينات عليها. ولا شك في أن الغرب أخذ عنا الكثير في كل المجالات، كما أنه لاشك في أن أمة الإسلام بوصفها أمة رسالة وهداية، وبوصفها ذات حضارة كبيرة وعريقة -تملك الكثير من النصوص والآثار والحكم والأقوال والملاحظات التي تدلها على ما ينبغي عمله في سبيل النهوض وإيقاف التدهور، لكن علينا ألاّ ننسى أيضًا أن ما أخذه عنا الغرب في مجال تنمية الشخصية لا يعادل أكثر من (1%) مما نأخذ عنه الآن، كما أننا توقفنا قرونًا طويلة عن تطوير هذه المعاني، في حين أن الغرب مازال يقوم بهذا بكل همة ونشاط، وعلى نطاق واسع جدًا.. أضف إلى هذا أن المسألة ليست مسألة نصوص وحكم وأقوالº فأمة الإسلام حين دخلت في مرحلة الانحطاط كانت تملك كل ما أخذه الغرب عنا في كل المجالات، ولم يحل ذلك دون تراجعها الحضاري، وذلك لأن مسألة التقدم مسألة معقدة جدًا، وهي تخضع لعدد كبير من العوامل المتشابكة، وليست النصوص والأقوال سوى جزء يسير منها.

3- هذه الصحوة الجديدة تؤكد من غير ملل على تنمية جوانب عديدة في الشخصية الإسلامية، من أهمها الجانب المهاري والعقلي والاجتماعي والأخلاقي، وكل ما يتعلق بالفاعلية والتكيف والتحمل وارتياد الآفاق الجديدة. ويستطيع المرء إبداء ملاحظتين سريعتين على ذلك، هما:

أ كل ما يُقال في مجال تنمية الشخصية يتمحور بصورة من الصور حول معاني (القوة) والغلبة وتحقيق الطموحات، ومع أن أمتنا في حاجة ماسّة إلى أكبر عدد ممكن من الأقوياء والناجحين إلاّ أن التركيز الشديد على هذا المعنى يقوّي روح الأنانية والمنافسة لدى الشباب، كما يدفعهم في اتجاه رعاية مصالحهم على نحو مبالغ فيه وإلى حد استسهال التحايل والغدر في بعض الأحيانº وهذا طبعًا يعود إلى أن الاهتمام بالجانب الروحي وجانب الصلة بالله تعالى- والعمل للآخرة، ضعيف للغاية، وهذا يشكل امتدادًا للنزعة التجارية لدى الغرب الذي أخذنا عنه مفاهيم تطوير الذات.

ب كثر اليوم المدّعون للقدرة على تطوير الشخصية، وكثرت مراكز التدريب والدورات التدريبية على نحو لافت، لكن مما يُؤخذ على كثير من المدربين أنهم يقدمون وعودًا قاطعة لمن يحضر دوراتهم بأنهم سيتغيرون، وسيجدون أشياء جديدة ممتازة في حياتهم بمجرد الحضور! وهذا غير صحيحº لأن التقدم على الصعيد الشخصي يحتاج إلى مجاهدة للنفس، وإلى مقاومة للرغبات، وإلى المبادرة بالكثير من الأعمال، أي يحتاج إلى شيء يستمر بعد الفراغ من حضور الدورة التدريبية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply