من أقوال أهل العلم في تربية الأولاد ( 1 - 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

اهتم علماءُ الإسلام بتربية الأولاد اهتماماً كبيراً، ومن أحسن من كتب في ذلك الإمام ابن القيم، والإمام الغزالي عليهما- رحمة الله- وكذلك ابن خلدون في مقدمته المشهورة.

أولاً: قول ابن القيم:

يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله - تعالى-: (من أهملَ تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدى، فقد أساءَ إليه غاية الإساءة، وأكثرُ الأولاد إنما جاءهم الفساد من قبل الآباء وإهمالهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولدهُ على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني صغيراً فأضعتك شيخاً).

إلى أن قال: (ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج، الاعتناء بأمرِ خُلقه، فإنَّهُ ينشأُ على ما عوّده المربي في صغره، من غضبٍ, ولجاجٍ, وعجلة، وخفةٍ, وطيش، وحدةٍ, وجشع، فيصعبُ عليه في كبرهِ تلافي ذلك، وتصيرُ هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة، فلو تحرز منها غايةَ التحرز فضحته يوماً ما، ولهذا تجدُ أكثر الناس منحرفةً أخلاقهم، وذلك بسبب التربية التي نشأ عليها.

ولذلك يجبُ أن يجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل، والغناءِ وسماع الفحش، والبدع ومنطق السوء، فإنَّهُ إذا علق بسمعه عسُر عليه مفارقته في الكبر، وعزَّ على وليهِ استنقاذه منه، فتغييرُ العوائد من أصعب الأمور.

وينبغي لوليهِ أن يجنبه الأخذ من غيرهِ غاية التجنب، فإنَّهُ متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأنَّ يأخذ لا بأن يعطي.

ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبهُ السمَّ الناقع، فإنَّهُ متى سهّلَ له سبيل الكذب والخيانة، أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرمهُ كل خير.

ويجنبه الكسل والبطالة، والدعة والراحة، بل يأخذهُ بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يُجمٌّ نفسه وبدنه للشغل، فإن للكسل والبطالة عواقب سواءٍ,، ومغبة ندمٍ,، وللجد والتعب عواقب حميدة، إما في الدنيا وإما في العقبى، وإما فيهما، فأرواح الناس أتعبُ الناس، وأتعب الناس أرواحُ الناس، فالسعادة في الدنيا والسعادة في العقبى، لا يوصل إليها إلا على جسرٍ, من التعب،

 قال يحيى بن أبي كثير: (لا ينال العلم براحة الجسم).

ويعودهُ الانتباه آخر الليل، فإنَّهُ وقت قسم الغنائم، وتفريق الجوائز، فمستقلٌ ومستكثر ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً.

ويجنبهُ فضول الطعام والكلام، والمنام ومخالطة الأنام، (الناس) فإنَّ الخسارةَ في هذه الفضالات، وهي تُفوّتُ على العبد خير دنياهُ وآخر ته.

ويجنبهُ مظَّان الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب، فإنَّ تمكينهُ من أسبابها، والفسح له فيها، يفسدهُ فساداً يعزٌّ عليه بعده صلاح.

والحذر كل الحذر!! من تمكينه من تناول ما يزيل عقله، من مسكرٍ, وغيره، أو عِشرة من يخشى فساده، أو كلامه له، أو الأخذ من يده، فإنَّ ذلك الهلاك كله، ومتى سهّلَ عليه ذلك فقد سهّل عليه الدياثة، ولا يدخلُ الجنة ديوث، فما أفسد الأبناءُ مثل تفريط الآباء وإهمالهم، واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فكم من والدٍ, حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضهُ لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذه عواقب تفريط الآباءِ في حقوق الله، وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم، من العلم النافع والعمل الصالح \".

ثم قال- رحمه الله -: (ومما ينبغي أن يُعتمد حالُ الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنَّهُ مخلوق لذلك العمل فلا يُحملهُ على غيره، فإنَّهُ إن حمَّله على غير ما هو مستعدٌ له لم يفلح فيه، وفاتهُ ما هو مهيأٌ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبولهِ وتهيؤه للعلم، فلينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً، فإنَّهُ يتمكن فيه، ويستقر ويزكو معه، وإن رآهُ بخلاف ذلك من كل وجه، وهو مستعد للفروسية وأسبابها، من الركوب والرمي واللعب بالرمح، وأنَّهُ لا نفاذَ لهُ في العلم ولا يخلق له، مكَّنهُ من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنَّهُ أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك، وإنه لم يخلق لذلك، ورأى عينهُ مفتوحةً إلى صنعةٍ, مباحة نافعة للناس، فليمكنهُ منها، هذا كلهُ بعد تعليمه له ما يحتاجُ إليه في دينه، فإنَّ ذلك ميسرٌ على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد، فإنَّ له على عباده الحجة البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة، والله أعلم). (1)

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply