خروق في بناء التربية ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
في هذا الجو المشحون بالمغريات والفتن، وفي ظل حياة تتلاطم في بحارها موجات التغريب، يتطلع الدعاة المخلصون إلى خلق بيئة إسلامية محدودة العدد ممتدة النسب لإبعاد العنصر موضوع التربية عما يغير من فطرته السليمة وينزع عنها ما يتلبس بها من تأثيرات داخلية نفسية أو في واقع النشأة. التي تؤثر على تكوين شخصية هذا العنصر موضع التوجيه والتربية...

ورغبة الدعاة هذه، هي محل تقدير واحترام من كل محب للخير، والرغبات إذا كانت خيرة وطيبة يرجى أن يوفق صاحبها إلى الوصول إلى وسائل شرعية وإيجابيات سليمة تأخذ بيديه إلى الضفة الأخرى من النهر، فالرغبة والإرادة مهما بلغت من سمو، ومهما تمتع صاحبها من نبل ليست كافية لوصف هذا العمل التربوي بالنجاح والجودة، فكلاهما لا يقاس بصدق الإرادة المجردة من الاكتراث بالسبل المؤدية بالعملية التربوية إلى النجاح والسداد.

والعملية التربوية شأنها كأي عبادة، هي لا تصلح إلا بتحقيق شرطي قبول العمل: الإخلاص والشرعية، وهذان الشرطان يتجسدان في جملة من الضوابط والمحاذير التي تضبط عجلة قيادة التربية ولا تجعلها تنصرف يمنة ويسرة، وبمفهوم الضدº فإننا نعرضها من خلال الخروق التي نوصدها في بناء التربية من واقع ما نلمسه في التجارب التربوية المشاهدة في الكيانات الدعوية والمحاضر التربوية:

في هذا الجو المشحون بالمغريات والفتن، وفي ظل حياة تتلاطم في بحارها موجات التغريب، يتطلع الدعاة المخلصون إلى خلق بيئة إسلامية محدودة العدد ممتدة النسب

أولاً: ما يخص منها شخصية المربي ذاته:

1- سعيه إلى تربية الآخرين، وعجزه عن تربية ذاته:

في تفسير قول الله- تبارك وتعالى -: \"أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعقِلُونَ\" (البقرة: 44) حكى الإمام الطبري إجماعاً لأهل التأويل على ‹‹أن كل طاعة لله فهي تسمى براً›› قال السدي: ‹‹كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه›› (الطبري جـ1 ص8) قال ابن جريج ‹‹من أمر بخير فليكن أشد الناس مسارعة فيه››، وهذا الذي يعنيه ابن جريج إنما مغزاه أن المربي والموجه والداعية ليس مطلوباً منه أن يماثل من يتوجه لهم بخطابه بل يكون الأشد مسارعة بالخير، الآخذ بحظ أوفر من البر، فيكون فيهم شامة، قامته أعلى دائماً من قاماتهم ليس كبراً واعتداداً بالنفس وإنما تقى وإيماناً وورعاً.

ومغبون من ظن أن تصدره في الناس وسماع أتباعه لأقواله دليل صحة طرق تربيته واستقامة منهجه وسلوكه ما لم يكن في مخبره كمظهرهº فإن الله - سبحانه وتعالى - طيب لا يقبل إلا طيباً، ومهما بلغ هو من جمال الوجه وحلو الكلام وجزالته، فلن يدنو من نجاح التربية ما لم يكن أصيلاً في قربه من الله حقيقة لا ظاهراًº فإن من كرامة التربية الإسلامية أن نزهها الله - عز وجل - عن أن تنتج خيراً تتوافر عليه، فبيع المرء ما لا يملك فاسد، وإن امتلأ السوق بالسوقة، وطرقه بالساعين، ولكن ساق القدر من مشاهد غزيرة الدلالة لأسواق خلت بعد أن أدرك المشترون أن البضاعة مغشوشة، والتاجر مريب.

وحيث إن الداعية المربي مأمور بتسديد خطاه أولاً وتصويب منهجه، فهو مدعو دوماً لمراجعة نفسه، ومعالجة قلبه، وامتحانه: هل تخالط بشاشة الإيمان قلبه أم لا؟ هل يملك أمر الدين عليه حياته؟ هل تسكن به روحه؟ هل تهرول مشاعره إليه؟ هل تمضي جوارحه مذعنة لأوامر الله؟ هل يخشع قلبه لذكر الله وما نزل من الحق؟

وليس المقصود هنا بطبيعة الحال أن يبلغ المربي درجات الكمال، فهذا مالا يكون، ولذا قال سعيد بن جير: ‹‹لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر›› (ابن كثير جـ1 ص246)، وإنما المقصود أن مقام المربي ليس كمقام المبلّغ العارض الذي يلقى موعظة أو نصحاً ويمضي، وإنما ذاك قريب ممن يربيهم، ينضح عليهم بمخبره كذلك كما مظهره، إنها هنا حالة امتزاج روحية يتأثر فيها هذا بذاك، وذاك بهذا كذلك وإن بدرجة أقل...

وتأمل وصف أنس بن مالك - رضي الله عنه وأرضاه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: \"خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته؟ \" إن هذا القرب الشديد في بيت النبوة كان كفيلاً بأن يصوغ شخصية أنس بن مالك - رضي الله عنه- .. أتراه بعد هذا كان يفعل ما يستوجب اللوم بعد تلك المعاملة الراقية؟! هذا نمط تربوي انسكب دون اصطناع في نفس أنس فصاغته وهو لم يكن إذ ذاك قائداً عسكرياً أو ما نحو ذلك، بل خادماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصير أنساً من بعد وأثناء ذلك (أنس بن مالك) الصحابي العظيم المعروف..

وبطبيعة الحال فلم يكن في الأمر أي تكلف فقد كانت شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسرة تشع نوراً ذاتياً من باطن طيب وقلب سليم لمن حولها، فأثمرت هذه التربية تلك القامات، التي كانت بدورها تفقه تأثير المخبر على دعوة اللسان وتربية الأنفس.. يقول ابن عباس - رضي الله عنه- لرجل رجا في نفسه قدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ‹‹إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل›› وتلا \"أتأمرون... \" \"لم تقولون مالا تفعلون\" \"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه\" فلما بين الرجل أنه لم يحكم هذه الآيات، قال له ابن عباس ‹‹فابدأ بنفسك››.

والحقيقة التي يدركها المربون بتجاربهم أنهم كلما ازدادوا اجتهاداً في عملهم التربوي داهمتهم أمراض قلوب جديدة لم يكونوا يعالجونها وهم مجاهيل وأفراخ صغار، وما لم يكن من سابق الاستعانة بالله واللوذ بجنابه والانكسار والتذلل له، والزاد الإيماني المخبوء والمستور عن الناس، لوقعوا فرائس الفتن واجتالتهم الشياطين وتلاعبت بهم الأهواء.. ألم تر أنه في خضم اتساع الأحداق، وانتباه الآذان لكلامهم المنمق.. وفي فرط حماستهم ينسون أنفسهم، وانظر إلى دقة اللفظ القرآني وبديع التعبير \"وتنسون\"، حيث ينبتّ حينها اللفظ عن اللسان، فتجد اللسان آمراً بالمعروف، وبذات هذا اللسان تجري عليه الغيبة والكذب والبهتان في مجال آخر ومناسبة مغايرة.

ويجد المربي أو الموجه أو الواعظ نفسه وقد نساها وانشغل بغيره، فكأن ما يلفظ به من حديث هو غير معني به بالأساس، أو أنه قد تجاوز مرحلة الوعظ بمراحل! فتراه يقرع أسماع الناس بقوله \"اتقوا الله\" فإذا قيلت له خالها سبة وسوء أدب وتجاوز لحدود اللياقة!! وما ذاك إلا لأنه أخرج نفسه من دائرة الوعظ والتوجيه والتربية فنسي نفسه، ويساعده المناخ في أن يشعر بذلك الشعور المهلك أن يقال له مربي أو داعية أو شيخ أو عالم، فيتصور نفسه قد تجاوز مرحلة التربية والتوجيه، وإن هز رأسه أو طأطأة عند سماع موعظة فلا تحدثه نفسه إلا عن ذلك من تمام الصورة اللائقة للداعية القدوة الأواب المتواضع وهو بعيد عن ذلك بأميال، فهو حاز لقب مربي أو.. ونفسه مستنكفة أن تتواضع إلا ظاهرياً.

ويجهل هذا أن القدوة لا تُتصنع، وإن صنعت بهتت وضاعت ألوانها مع أول موجة بحر، وإن أثمرت لم تثمر إلا حنظلاً، وإن أنتجت لم تنتج إلا أشباهها من الدمى التربوية وأوراق الخريف الساقطة. وما أبدع قول بعض الحكماء عن الآية الكريمة: \"أتطالبون الناس بحقائق المعاني وأنتم تخالفون عن ظواهر رسومها\" (القرطبي جـ1 ص364) يقول ابن جريج ‹‹قالت فرقة: كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون››.

2- جهله بحقيقة حاله وقدراته الذاتية:

تسوق الأقدار أحياناً أشخاصاً لا يتوافرون على أدوات التربية إلى مواقع الصدارة التربوية فيأنسون في أنفسهم رشداً وقدرة على أداء هذا الواجب، ويكون هؤلاء أحياناً عذراً ومنطقاً حين تشغر أماكن كان من المفروض أن يشغلها غيرهم، فتدفعهم الحمية للدين أحياناً أو رغبات في التصدر أو ذهولاً عن قدراتهم الحقيقية وحسن ظن بذواتهم إلى التصدي لهذا الواجب، وقد يكونون سليمي الصدور ومحبي خير لكن قدراتهم الذاتية لا تسعفهم في واقع الأمر، وقد لا يعيبهم ذلك كمسلمين، بل يقبل الدين قدراً أقل من هذا العطاء السخي في ميدان التربية، إذا لا يجدوا ما يتحملهم عليه قدراتهم فيتولوا قافلين راشدين إلى حيث صفوفهم الحقيقية بين الناس، بيد أنهم يأبون إلا ممارسة التربية من دون أدوات فتذهب جهودهم أدراج الرياح، وقد يسيئون أكثر مما ينفعون.

فهذا لا يملك شخصية تصلح كقدوة، فيحصر التربية في تلقين مدرسي ينتج نماذج مستنسخة منه، ويصبح هذا النمط التربوي عدوى، تربية جوفاء.. وظيفة أو مهنة تخلو من الروح السارية في النفوس العابرة لشواغل النفس وجواذب الأرض.. عدوى تنتقل من جسد لآخر حتى يتساند الجميع في صعيد واحد لا كصف وبنيان مرصوص وإنما خشبُ مسندة.

وهذا يخال التربية قدرة على جذب الناس وتجميعهم حوله، بأي وسيلة وأي طريقº فيسرف بالهزل والمزاح أو يخضعهم لذكائه ورجاحة عقله، وينصرف الناس إليه، وما يدري أن هذه وسيلة تأسر قلوب الناس فيدورون بفلكه هو، وقد لا يدورون مع الإسلام حيث دار، روى البخاري عن حذيفة - رضي الله عنه- من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكر به كيف ترفع الأمانة من الناس، حين تختلط المعايير: ‹‹.. ويقال للرجل ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.. ›› (البخاري: رفع الأمانة ج20 ص150).

وهذا ينطلق في التربية ويشكل محاضنها ويجذب الناس إليها لكنه ذاهل عن قدرته العلمية التي تحمله على صدارة هذا المكان سواء كانت الشرعية أو تلك الحاكمة لقواعد التربية وأصولها وطرق ممارستها، ولا يجهد نفسه في تعلمها..

أو هذا الذي يتناقض مع سابقهº فيولي هذه القواعد وبعضها علم تجريبي خاضع للجدل والأخذ والترك أهمية مبالغ فيها، فيستحيل ممثلاً مخادعاً لا قدوة ربانية، وإذا خاطبك بالقول \"أيها الحبيب\" شعرت به على الفور يطبق عليك بنداً من كتاب، فيصير مسخاً لا هو منحك حباً ولا صدقك في مشاعره متصنعاً متأرجح بين عذوبة اللفظ وجفاف المشاعر..

وهذا يرى في نفسه شخصية متكاملة، فمادام قد أراد أن يربي أشخاصاً، فهو في نظره القاصر قمين بأن يسد لهم كل ثغرة، فتراه يوماً عالماً شرعياً، وتارة مفتياً، وتارة خبيراً اقتصادياً، وغداً محللاً سياسياً، وبعده رحالة، وهكذا... يريد أن يستغني من معه عن غيره في أي شيء، وإذا ما رغبوا في القراءة منحهم مصنفاته عن طيب نفس!

وهذا يظن في التربية أن غايتها أن يفتح محازبوه رؤوسهم للإلقاء مع اعتمال في نفسه من أفكار ورؤى فيها التي قد يراها من فرط اقتناعه بها وحماسته لها توقيفية لا ينبغي لمسلم أن يحيد عنها قدر أنملة، وحين يترك محازبوه عقولهم على باب درسه. ويسلموا الرأس له، ويكونوا له أصفاراً طيعة في يده مبهورة بما أفاء الله عليه من علم وفهمº فهذا منتهى أمله، ومحطة النهاية في مشواره التربوي.

وهذا يعظم الجانب التعبدي في منهجه التربوي، لكنه يعبر منطقة المحمود إلى المذموم في توجيهه لإخوانه، فيظن أن الله قد بعثه رقيباً على العباد، وتبرز أمام عينيه كلمة \"المتابعة\" وتتضخم، حتى يغدو متحمساً متجسساً على أفعال من يربيهم، وكأنه معني بمعرفة أحوالهم في الصلاة، وكم حظهم من قيام الليل، وهل صلوا في المسجد الذي يلتقيهم فيه كي يطمئن على صدق تدينهم، وما إلى ذلك.. أو ما يتجاوزه من اختبارات الصدق والتفتيش خلف الضمائر وتتبع العورات بما يحمّل المربي أوزاراً ينوء بها كاهله ثم دعوته إلى ما تلبث أن تمحق بركتها وتنهدم بنيتها. ومن قبل تنتقل عدوى هذا الفضول المذموم المدموج باسم \"المتابعة\" افتراه عليها إلى الأتباع، فيصبحون أدوات تسلط باسم الدعوة والتربية عوض أن يكونوا هداة ناصحين

3- ذهوله عن إدراك التباين الشخصي والمعرفي والتديني لكل شخص ممن يريد التأثير فيهم عن الآخر:

من أبرز آفات التربية توحيد الرسالة التربوية والخطاب الدعوي لفئام من الناس يختلفون جذرياً بعضهم عن بعض في مناحٍ, عديدة، فتكاد ثرى المربي وقد تحول إلى شخصية آلية تطبق النظرية التي أفلحت مع هذا مع شخص آخر لا يكاد يجمعه سوى الإسلام بخطوطه العريضة مع سابقه، ويتجنب أخرى لم تفلح مع ذاك لمجرد أنها لم تناسب شخصاً معنياً، ويذهل هذا المربي عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتعامل مع الأعراب كما يتعامل مع الحضريين، ولم يكن يخاطب ذوي المكانة الاجتماعية بمثل ما يخاطب به الأقل حظاً منها.. كان يعلم أن أبا سفيان يحب الفخر›› مثلما قال عنه العباس رضي الله عنهº فيمنحه مما يحب في بادئ إسلامه، مما لا يعطيه لغيره ولا حتى لا بعد ذلك، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.. \" (سيرة ابن هشام جـ3 ص549).

ويدرك أن أصحابه من الأنصار بحاجة لعتاب رقيق إذ يجدون في أنفسهم من تفضيل كبراء قريش عليهم في العطاء، فيوضح لهم أن السبب هو اطمئنانه إلى إيمانهم ورسوخه في قلوبهم، وأن العبرة في المحبة ليست بالعطايا فيقول: \"أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحلكم؟! \" (الزوجة الألف جـ4 ص274)، فلكل شخصية لها ما يناسبها، وصهر الناس في بوتقة واحدة ما ضم لهذا وقاصم لذاك.

والحاصل أن كثيراً من المربين تغيب عنهم هذه الحقيقة فتراهم يحملون الناس على خطاب واحد فيستخف به ذوو العقول، ويجهله البسطاء، أو يزدريه الأغنياء ويتطلع إليه الفقراء، أو يزهده الراسخون في العلم ويهرول إليه الدهماء.. أو العكس في كل هذا تراه يريد أن يحمل من لا طاقة له بطلب العلم على طلبه فيفر منه، أو يبالغ في الاحتياط فيفرق منه الناس.... وما يدرك أن لكل حادثة حديث، ولكل امرئ ما يناسبه من أدوات التربية.. فهذا حر تكفيه الإشارة، وثان بحاجة إلى موعظة واضحة جلية، وثالث زاهد في الرحلات ومغامرات الشباب، ورابع مقبل عليها، وخامس كريم النسب، وسادس وضيعه، وسابع مفتاحه قيام الليل والضحى، وثامن تسبق دعوته وحماسته علمه، وتاسع يعطيك من طرف اللسان حلاوة، وعاشر مذبذب بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... وآخرون.. ومن الخلل أن تشملهم كلهم لغة تربوية واحدة أو محضن واحد ومظلة واحدة. بل لكل امرئ ما يناسبه من الأسلوب، وقد لا يصلح هذا المربي معه ويصلح معه آخر، وهذا غاية المراد لا كثرة الأتباع وتجييش المحازبين وحشد الأصفار.

4- قلة إدراكه للمناخ والبيئة التي تنتسب في تربيتها دعوته ويربى فيها أبناءها:

تعجبه دعوة في السودان فينقل نمط تربيتها إلى بلده المغاربي، أو يتربى في بلدان الخليج فيستنسخ مفردات تربيته في مصر، أو ينشأ بالغرب فينقل تجربة المراكز الإسلامية إلى بلاد الشرق، فكأنه لم يسمع بتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه داعياً إلى اليمن: \"إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.. \" (مسند الإمام أحمد جـ4 ص499)، وينسى أن الشافعي اختلف خطابه من رقعة إلى أخرى، وأن البيئات المختلفة تغاير من الأنماط التربوية المستخدمة لمعالجة تأثيراتها، وأن المناخ الذي قد يمتاز بالخصوصية أو بطغيان مفردات العولمة مفضي إلى تغيير في خطاب الدعاة ووسائل تربيتهم، وما يصلح تطبيقه اليوم قد لا يصلح غداً.

ألم تر أن مجلة الحائط مثلاً قد تضاءل تأثيرها عن ذي قبل، والسفر في طلب العلم قد استعاض البعض عنه بمطالعة دروس العلماء المتوافرة الآن، وأن جو الإنترنت الحر قد جذب إليه العقلاء وأشباههم، والموقورين ونظراءهم، وأن قضايا مثل الحرية المنضبطة والنظرة إلى أهل الصدارة قد طفت على السطح أكثر من أي وقت مضى، وأن عشاق المستنقعات والسراديب قد عملوا على حشر الآخرين معهم بعد أن منحهم مناخ تقني جديد فرصاً للتمدد والانتشار!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply