أهمية القيادة و الحاجة إليها


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

لا نبعد عن الصواب إذا قلنا: إن افتقاد الرجال القادة من أهم الأمور التي يعاني منها المسلمون في العقود الأخيرة، بل إن هذا الافتقاد مما يعاني منه الغرب أيضاً، فقد عدّ المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في تقريره السنوي (1994-1995)، الذي نشر في لندن، عدّ أن العالم أصبح يفتقر إلى قيادة قوية، مما أدى إلى انجرافه مع الأحداث، وظهر شعور عام بالعجز و لم يتم تسجيل أي أفكار جديدة داخل حدود الاتحاد الأوروبي(1).

وإذا كان افتقاد القادة مشكلة عالمية فإن المسلمين هم الأقدر على تهيئة المناخ لبروز القيادة المطلوبة، وذلك لوضوح المنهج والهدف والأخلاق العالية المنبثقة عن المبدأ الإسلامي، فليس أبأس من الحقب التاريخية التي لا يظهر فيها قادة هم خميرة النهوض، وهم نفر من أهل الجرأة والنظر البعيد والتفكير في الغايات العليا و في رسم معالم المستقبل، هم قادة يألمون لما تألم به الشعوب ويشعرون بما كانت تشعر به، و قد تكرر في القراَن الكريم ذكر أبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - \" ليشعرنا بأن لنا في بناء الحق وهدم الباطل و نشر الهداية أصلاً عريقاً و نسباً طويلاً عريضاً، ومتى شعر الإنسان الصحيح الفطرة بزكاء الأصل تحركت فيه نوازع النخوة \"(2)

إن التنبيه على خطورة هذا الأمر وأهميته لا يعني أننا ممن يؤيد نظرية الفرد الواحد أو ينتظرون البطل المنقذ، ولكن الحديث هو عن تأهيل من يصلح لهذا الأمر، ويتحمل الأعباء والتكاليف والمهمات الصعبة، مع التدريب على التعامل الذكي مع الواقع والقدرة على فرز الأولويات وليس هذا بالأمر العسير، فالقيادة يمكن أن تعلم أو لنقل يمكن تعليم أكثر عناصرها، ويبقى عناصر قد تكون مهمة جداً، هي صفات و مؤهلات موجودة في التكوين الشخصي، كما لا نؤيد من يقول: إن الظروف غير مهيأة اليوم، وأن طبيعة المرحلة لا تنجب مثل هذه الشخصية. فهذا محبط للآمال، مضعف للهمم، فالتربية والإعداد و الممارسة العملية مما يساعد على إيجاد القادة الذين نأمل.

 

القدوة:

إذا كانت التربية بالقدوة في أساليب الإعداد ناجحة فإن أعظم القادة الذين يتأسى بهم هم رسل الله - عليهم السلام -، وهم أكمل الخلق إيمانا و علما وعملا، وقد ذكر القرآن صفات هؤلاء الرسل في سور كثيرة، ذكر أخلاقهم وأعمالهم، وصبرهم، وأكد على أن جاذبية الرسل لا تنبعث من مغريات مادية ولا جاه عريض أو ألقاب كبيرة، وليس عندهم خزائن الأرض يوزعونها على الناس، لقد جردهم القرآن من كل تلك المغريات، قال تعالى على لسان نوح - عليه السلام -: \"ولا أقول لكم عندي خزائن الأرض الله ولا أعلم الغيب ولا أقول أني ملك...\" [هود/31].وأبعدهم عن أن يكونوا من أهل المظاهر \"و قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل في القريتين عظيم... \". فجاذبية القائد تأتي من يريد أخلاقه وأعماله وارتباطه بالله لا يريد جزاء و لا شكورا، لا يجمع الأتباع بالمغريات المادية أو المناصب الرفيعة ولا يحاول استمالة الجموع بستر أخطائها و إخفاء أغلاطها.

 

محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن:

تحدث القرآن عن ذلك الهم الذي يحمله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين جنباته، وذلك الحرص الشديد على إيمان قومه، وهذا القلق الذي يقيمه ويقعده \"فلعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين\" [الشعراء/3]. \"فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً\" [الكهف/6].

 

إن مهمة هذا الرسول الكريم أن يزكي الذين أرسل إليهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وهو يتكلم بلسانهم ويعرفهم ويعرفونه \"لقد جاءكم رسول في أنفسكم ما عنتـّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم\" [التوبة /128]. إنها قيادة فيها حنان وعطف وعندها علم بواقع الضعف البشري، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتفقد أصحابه و يعرف أحوالهم، ويسعى في حوائجهم، إنها سهولة الخلق ويسر الدين.

 

من صفات القيادة كما رسمها القرآن:

1- من الله - سبحانه - و تعالى على الأنبياء بصفة (الحكمـة) قال تعالى: \"و لقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله\" [لقمان/12].

إن التنبيه على خطورة هذا الأمر وأهميته لا يعني أننا ممن يؤيد نظرية الفرد الواحد أو ينتظرون البطل المنقذ، ولكن الحديث هو عن تأهيل من يصلح لهذا الأمر، ويتحمل الأعباء والتكاليف والمهمات الصعبة، مع التدريب على التعامل الذكي مع الواقع والقدرة على فرز الأولويات.

و قال: \"ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة\". وقال: \"... ومن يؤت الحكمـة فقد أوتي خيراً كثيراً\" [البقرة/269]. والحكمـة في أصل معناها ترجع إلى المنع طلباً للإصلاح، فالحكيم هو الذي يصرف نفسه عن هواها، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، وهي بهذا التعريف تشتمل على العلم والعمل ومعرفة الحق وعمل الخير، وهي لون في الفطنة تنتهي بصاحبها إلى الرأي السديد، فلا يغلب القائد الحقد والحسد، ولا تستفزه غيرة في رؤوس تظهر حوله، أما القادة المحترفون للتهريج، المغتصبون لمراكز القيادة، فإنهم لا يفكرون إلا في أنفسهم يشغلهم مديح الناس، وتلهيهم تسويـة المعاشات. لا تلتمس هذه الحكمة عند أصحاب التفاصح في البيان ولأصحاب التنظير والتأمل المجرد، ولكنها تلتمس عند الذين يمارسون عملية تزكية الأنفس، وتزكية الآخرين، تأتي الحكمـة في الخارطات الصحيحة المصاحبـة للمبادئ السليمة والتي تريهم الوجهة التي يريدون.

إن المتعمقين في أصناف العلوم ليسوا هم الأجدر بامتلاك الحكمة إذا لم يمارسوا العمل مع العلم، وكما قيل: \" عندما تكبر الحكمة تتضاءل المعلومات حيث تبتلع المبادئ الكثير من التفاصيل، فالتفاصيل تأتي أثناء ممارسة الحياة \". (3)

 

2- من صفات الرسل التي ذكرها القرآن الكريم: الثقة المطلقة بما يدعون إليه، لا يساورهم شك في أهدافهم التي يسعون إليها قلوبهم مطمئنة، فكل صعب عند الناس هو عندهم هيّن يجابه أحدهم المخالفين ولو كانوا كثرة كاثرة، لا يشك أحدهم طرفة عين أنه وأتباعه منصورون بإذن الله \"وكان حقاً علينا نصر المؤمنين\" [الروم/47].

 

3- الشجاعة:

وهي من أعظم ميزات القائد، سواء في ذلك الشجاعة المعنوية أم المادية، و قد جاء في الحديث (شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع)، ومن أعظم الشجاعة أن تجابه الجموع إذا كانت تعتقد أنك على حق، و قد جابه موسى - عليه السلام - فرعون و قومه وهو وحيد ليس معه إلا أخاه هارون، و جابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قومه وهو وحيد فريد في قلة قليلة من أصحابه، و إن قراراً شجاعاً في اللحظات الحرجة يبطل قلق المترددين وحدة الحائرين، ويأتي بالنتائج المرجوة بإذن الله.

 

4- الفطنة والذكاء:

بهذه الصفة يكون الإنقاذ في المواقف الحرجة، والتخلص من المباغتات الطارئة، والتدبير للمواقف الشديدة ففي مجادلة إبراهيم - عليه السلام - لعدو الله وعدوه، قال: \"إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر\".

وعندما أراد يوسف - عليه السلام - استخلاص أخيه وضع الوعاء في متاعه ولكن بدأ بتفتيش إخوته \"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف\" [يوسف/76]. وعندما اختار الله لبني إسرائيل ملكاً يقاتلون معه عدوهم، اختبرهم بأن لا يشربوا من النهر إلا غرفة، حتى يصفو له الذين يقاتلون في سبيـل الله، وحتى يأتي النصر من عند الله.

إن لمعة من ذكاء نافذ تكشف ظلمات و حجباً من الغيوم، وهذا لا يعني أن القائد يجب أن يتميز بذكاء خارق فكثير ممن قادوا الأمم في نهضتها كانوا على درجة متوسطة من الذكاء، ولكنهم كانوا من النوع القلق المتطلع دائماً إلى المستقبل، وكانوا من الذين يراقبون بدقة تغيير الظروف والأحوال.

إن الحياة إذا خلت من مثل أعلى، إذا خلت من الخير ومن رجال قدوة عندئذ يتيه المال والجاه وليس فيها للناس عزاء وسلوان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply