الشباب والعاطفة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

جفاف العاطفة يفقد الحب، ومن لا يحب سيكره، ومن يكره يدمر 

إن هذه نظرة خاطئة ومهددة للبناء التربوي والتعليمي، يقول (دانييل جولمان) في كتابه ـ الذكاء العاطفي ـ (إن كل عاطفة من عواطفنا توفر استعدادًا متميزًا بفعل ما، وكل منها يرشدنا إلى اتجاه أثبت فعالية للتعامل مع تحديات الحياة المتجددة).

فالذخيرة العاطفية المخزونة داخل النفس يجب تعاهدها وتنميتها، ولا سيما لدى الشباب لأن قوة التحدي بين العقل والعاطفة لديه في أوج صراعها، وهنا يكون الحديث المهم عن تنشيط الجانب العاطفي، وعن ترشيده وتوظيفه، لا أن يكون الحديث عن تهميشه وإقصائه أو تنقصه.

(العاطفة) عندما يختل توازنها لدى الشباب تؤدي إلى كوارث حياتية، فالحياة لا تستقيم على حالة معينة، بل إن أبرز سماتها وسرها الكبير كامن في التقلب والتغير، والعاطفة البشرية والشبابية على الخصوص يجب أن تكون في حالة حضور وفاعلية لتتناغم مع الحياة ومتطلباتها وتتكيف مع متغيراتها.

 

عندما تجف العاطفة:

الذي يحصل عندما تجف العاطفة أن يتحول الإنسان إلى طبع لئيم يتنافى مع الإنسانية السوية، وهذا الطبع اللئيم هو: (الأنانية) التي تصل به إلى مقت المجتمع والعداء له، وقد كانت حكمة التشريع كله للحيلولة دون وجود هذا الجفاف، فكانت الأحكام كلها معللة بالرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

عند جفاف العاطفة يضعف الولاء فيكون العقوق والتنكر للجميل، وتضعف المواطنة ويحصل التفكك، وأعظم ما يهدد الإنسان من جفاف العاطفة فقدان الحب، والحب قاعدة الحياة، ومن لا يحب سيكره ومن يكره سيدمر.

 

مؤشرات الجفاف العاطفي:

ثمت مؤشرات على هذا الجفاف العاطفي لدى الشباب كتدني الأخلاق التعاملية، وضيق الأفق، والإعجاب المتخبط في الشخصيات الإجرامية، ومن المؤشرات أيضًا النظرة المتشككة من فاقدي العاطفة إلى ذوي العاطفة من والد أو معلم أو..

 

أسباب ضعف العاطفة لدى الشباب:

ويقف وراء الفقدان أو الضعف العاطفي لدى الشباب أسباب منها:

-       البيئة التي ينشأ فيها الشاب:

فالبيئة حينما تكون غليظة فظة تختفي فيها مظاهر الشعور العاطفي، وقد يصل الحد إلى أن ينظر إنسان تلك البيئة إلى مظاهر العاطفة بشيء من التعجب، فالرجل قد قال للنبي (أوتقبّلون أولادكم؟! إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم)، وحين ينشأ الشاب في مثل هذه البيئة فاقدًا للعاطفة ينعكس ذلك على تعامله مع الآخرين من أبناء أو تلاميذ أو موظفين وزملاء.

ونتيجة لذلك أيضًا فقد يكون ضحية عصابات توفر له الجو المفقود مقابل إيقاعه في بؤر فسادية.

-       التفكك الأسري

نتيجة الطلاقات أو النزاعات العائلية فيكون ضحية الانقسام ذلك الشاب الذي يسمع بالعاطفة ولا يجدها. 

-       التربية والتعليم

حيث يمثل المعلم دور الأب الروحي والتربوي، وحين يكون المعلم نفسه يعاني الفقر العاطفي، أو لا يحسن توظيف الجانب العاطفي فإن الحالة السالبة تتفاقم عند التلاميذ فاقدي العاطفة، أو تتجه نحو التشوه لدى أولئك الذين يجدونها في البيت ويفقدونها في المدرسة.

كما يؤثر سلبًا وبقوة الخلل والازدواجية بين عمليتي (التربية والتعليم) اللتين يفترض فيهما التكامل.

ومن المؤثرات في هذا الجانب نوع العلم الذي يتلقاه الشاب، فعلى سبيل المثال: عندما يتحول درس الزكاة من كتاب الفقه إلى عمليات حسابية وتغفل فيه الجوانب الروحية والإنسانية فإن ذلك يشكل فكرة أخرى لدى الشاب حول الدرس.

ويقترح (دانييل جولمان) في كتابه المذكور إدخال التعليم العاطفي إلى المدارس ولا سيما الأطفال.

وليس الكلام محصورًا في المحاضن التعليمية والتربوية الرسمية، بل يتعدى إلى أثر خطيب الجمعة ودور الواعظ الذي ربما يكون أبلغ بالنسبة لبعض البيئات.

هذه بعض الأسباب وهي لا تعني إطلاقًا التبرير لحالة القصور العاطفي، بل إن الغرض منها الإسهام في المعالجة الصحيحة للحالة المرضية.

 

طغيان العاطفة:

أما عندما تطغى (العاطفة) على العقل فإن ضمور التفكير وقصر النظرة، ونفاذ الصبر، كل ذلك يشكل الشخصية، وبالطبع لا تكون هذه الشخصية مؤهلة للعيش في عالم التغيرات والقوة والسرعة.

نحن مطالبون بصناعة شخصية متوازنة متناغمة مع الكون والحياة في تكامل وتعاون.

وما يوجد من خلل في هذا التوازن سينعكس سلبًا على المجتمع الذي يدار بتلك الشخصيات غير المتوازنة.

إن للعقل ميادينه ومساراته، وللعاطفة كذلك ميادينها ومساراتها. والإنسان نفس وليس عقلاً {وّنّفًسُ وّمّا سّوَّاهّا}، {عّلّيًكٍ,مً أّّنفٍ,سّكٍ,مً}، {قٍ,وا أّنفٍ,سّكٍ,مً} وبهذا الاعتبار فالعاطفة أصل والعقل مناط التكليف.

في الحقيقة النظرة إلى الشباب لم تلق الدراسة الكافية ولا التطبيق الحكيم. ونحن إذا أردنا الحقيقة فلننطلق منها إليها بمعنى لننطلق من الشباب إلى الشباب.

 

الشباب والابتزاز العاطفي:

ألفت د. سوزان فور وارد، كتابًا مهمًا بعنوان (الابتزاز العاطفي)، ويعتبر الابتزاز العاطفي شكلاً قويًا من أشكال الاستغلال، وهذا نوع من التهديد سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء كان بحسن نية وقصد أو بسوء...، المهم أن له أثرًا في الشخصية المبتزة (الشباب) والابتزاز العاطفي يمارس من قبل الأشخاص القريبين والذين تربط بهم علاقة، فنحن نسمع من الوالدين عبارات:

(إذا كنت تحبني فافعل...، أنت لا تحبيني فأنت لا تفعل... )

وتسمع من أصدقائك عبارات:

(تعال معي لا تكن خائفًا...، أعطني لا تكن بخيلاً...، على أية حال لقد قلت لك)

وتسمع من عصابات وقعت في شراكها (مخدرات؟)

(لدي ما يدينك... أعطني وإلا... ستدفع الثمن)

وثمة فريق من المبتزين عاطفيًا همهم تهويل الأخبار والأحداث ما يطمس بعض جوانب الحقيقة.

والشاب بطبيعته أكثر من يتأثر بعملية الابتزاز، وفي حالة العجز عن المواجهة والمصابرة يتوجه إلى ردود الأفعال، وفي حالة عجزه عنها أيضًا لا يكون إلا أمام شبكة معقدة من الأمراض النفسية ليدخل في عداد أصحاب الابتزاز.

الابتزاز في أصله حالة سلبية، ولذا فإن ما يوجد منه إيجابيًا تحفيزيًا يجب أن يؤخذ بحذر حتى لا يعود إلى أصله السلبي.

فالاستسلام للابتزاز يشعر بعدم الاتزان والخجل والاتهام والحزن والانهزام.

 

دعوة:

نحن في عالم يتجه نحو مزيد من القوة والتكتل بسرعة هائلة، وفي المقابل فنحن نعيش تخلفًا لم يعد سرًا، وليس لنا خيار في اللحاق بركب الحضارة.

ومن المرتكزات المهمة لنهوض الأمم ركيزة الشباب، وبناء عليه فإن الحديث عنه يجب ألا يكون ترفيًا وموضة وقتية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply