الحوار بين الأمهات والأبناء .. لغة نحتاج إليها دائماً


 بسم الله الرحمن الرحيم

يلاحظ معظم الآباء والأمهات أن الطفل عندما يبلغ السنتين من عمره يبدأ في إحراز بعض المهارات اللغوية الجديدة، ويبدأ التعبير عن بعض احتياجاته عبر كلمات مبهمة في الغالب.

ومع مرور الأيام يبدأ الأطفال بتعلم لغة الآباء، والاحتفاظ بمفردات وتركيب جمل بسيطة، تعتبر خلال المرحلة الأولى من العمر أشكالاً مجردة، لا يعرف معناها، لكنها تشكل بالنسبة له رموزا لأشياء معينة.

وخلال الفترة اللاحقة يبدأ الطفل بتعلم الكلام وأشكال اللغة ومعاني المفردات، ويبدأ بالميل نحو إجراء حوارات مع الأهل أو مع شخوص وهمية، كأن يتكلم الطفل مع دمية، أو مع خيال أو فراغ، ويتخيل في ذهنه أنه يتكلم مع أشكال معينة من الأطفال أو الدمى التي تظهر على شاشات التلفزيون أو غيرها.

 

إن المرحلة اللاحقة التي يستخدم فيها الأهل طريقة التعامل الأساسية مع أبناءهم، تحدد لهم درجة قناعتهم بالحوار كشكل من أشكال التواصل مع الآخر، وتخبرهم إلى أي درجة يمكن الاستعانة بالحوار للوصول إلى فهم صحيح لفكرة ما، أو التعبير عن مشاعر وأحاسيس داخلية، أو الإقناع بالخطأ أو الصواب حول قضية معينة.

في الدول الغربية يجري الباحثون في مجال علم الاجتماع، بحوثاً ودراسات حول أشكال الحوار التي تنشأ بين الآباء والأبناء، مستمدين من هذه الدراسات نماذج تطبيقية على الأسر بشكل عام.

ومن حيث المنهجية، فإن الحوار هو أفضل الطرق للتفاهم بين الآباء والأبناء، أما من حيث الواقعية، فالضرب - ربما- يشكل أهم طريقة تربوية يمارسها الأهل مع أبنائهم. !!

الإشكالية التي يعاني منها الأطفال خلال سنوات لاحقة هي عدم قدرتهم على الحوار بشكل طبيعي وصريح مع الأهل، طالما أنهم اعتادوا شكلا آخر من أشكال التواصل.

فالابن عندما يبلغ سن العاشرة مثلاًً، يحتاج الأهل لبدء نقاش معه حول كثير من الأمور التي تطرأ، ويحتاجون لأن يسمعوا من أبنائهم عن مشاكلهم ومعاناتهم وصداقاتهم، أين يذهبون؟ ومع من؟ وكيف يقضون أوقاتهم خارج المنزل؟

هذه الأسئلة قد لا تجد إجابات صريحة وحقيقية من الأبناء الذين كان أهلهم يتبعون معهم أسلوب الضرب والزجر.

 

فكيف يمكن لهم فجأة أن يبدؤوا حواراً طبيعياً مع ذويهم الذين اعتادوا الضرب كأسلوب وحيد أو أساسي على الأقل في التعامل معهم؟

 

فيما نجد الأبناء الذين اعتادوا إجراء حوارات مع آبائهم خلال فترة طفولتهم أقدر بكثير على فتح حوارات ومصارحات واسعة حول كل شيء مع الأهل، فهذا الشكل بالنسبة لهم يكون شكلاً مقبولاً ومناسباً ومعتاداً.

ومن هنا تأتي أهمية الحوار مع الأطفال في سن مبكرة، حتى لو كانت هذه الحوارات غير واقعية أو غير جدية، المهم أن يعتاد الطفل النقاش والحوار والصراحة، ويعتاد مناقشة والديه في كل شيء، فهذا التصرف سيخدم الآباء والأمهات بالتالي عندما يكبر الطفل، وعندما يصبح من الضروري محاورته لمعرفة أمور كثيرة، خوفاً عليه من الانحراف أو الفشل أو الانجرار وراء الأفكار الهدامة أو صحبة السوء أو غيرها من الأخلاق والتصرفات التي يتمنى الآباء أن لا يقع أبناؤهم فريسة لها.

 

والطفل خلال مراحل بدء إدراكه لما حوله، يمتلك الكثير من القضايا التي يمكن أن تربكه أو تخيفه، ويحتاج إلى محاورة أهله حولها. وهنا يجب أن يفتح الآباء والأمهات جسوراً دائمة للحوار مع أطفالهم في أي وقت، وفي أي موضوع كان.

وتوجد بعض النصائح الخاصة لإنشاء هذه الأشكال الرئيسة في إقامة وتدعيم جسور الحوار مع الأبناء، منها:

ـ حاولي بدء حوار مع طفلك في سن مبكرة قدر المستطاع، وقبل أن يبدأ بالحاجة إلى هذه الحوارات، فهو عندما يكبر ويبدأ بالإدراك، سيعلم أن الحوار معك هو أفضل وسيلة للمعرفة، وأفضل من التجربة التي قد تؤدي به إلى إلقاء نفسه أمام سيارة، أو إدخال سلك في موصل كهربائي أو استخدام السكين على يده..

 

ـ تعتبر متابعة وسائل الإعلام (وخاصة التلفزيون) بداية جيدة لإجراء حوار مع الطفل، حول بعض المشاهد التي يراها، كالعنف والتدخين والسلبيات الأخرى، وسؤال واحد حول البرنامج الذي تتابعينه يجب أن يكون كفيلاً بالدخول إلى حوار طويل حول الكثير من القضايا.

 

خلق بيئة مفتوحة من الحوار، حيث يجب أن يحس طفلك بأنه يمكنه بدء حوار معك في أي وقت، وحل أي شيء، دون الخوف من العقاب بسبب هذا الحوار أو ذاك.

 

الاستماع الجيد إلى الأطفال، فمن ناحية: سيدرك طفلك أنك مهتمة بسماع ما يريد قوله، وهو ما ينمي لديه حب وفائدة الحوار. وفي نفس الوقت: استماعك الجيد له يجعلك تدركين تماماً ما يفكر فيه، ويساعدك بالتالي على تقديم معلومات تناسب طبيعة تفكيره وتناسب أيضاً مستوى هذا التفكير.

ـ حافظي على الصدق في الحوار، فالصدق ينمي الثقة لدى الطفل حول كلامك، وحول أهمية الحوار وفائدته، وتذكري أنه عندما لا يحصل الطفل منك على إجابة كاملة وصريحة، فإنه سيبحث بنفسه عن هذه الإجابة بالطرق المختلفة، كالتجربة الخطرة أو الأخذ برأي الآخرين أو تقليد الأطفال الآخرين أو تقليد مشاهد التلفزيون.

 

ـ إجراء محادثة ثانية، إذ يمكن لطفلك أن يمتص كميات قليلة من المعلومات في كل مرة تجرين معه حواراًº لذا فمن الصعب عليه فهم كل شيء خلال محادثة طويلة، لهذا دعي طفلك يقضي وقتاً قصيراً بعد الحوار، ثم اطلبي منه بعد ذلك أن يخبرك ماذا تعلم من الحوار الأخير، وماذا يتذكر من المعلومات التي قدمتها له.

 

ـ تذكري أن الصدق والصبر والمثابرة تأتي بأفضل النتائج، ولا تنسي الاحتساب في التربية والعمل، فكله مما سنسأل عنه يوم القيامة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply