مظاهر تربية مرحلة ما قبل المدرسة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

على الرغم من أهمية التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة أو ما يسمى بالمرحلة التمهيدية، إلا أنه من الواجب على أولياء الأمور والوالدين ألا يغرقوا في آمالهم وتوقعاتهم الخاصة بتأثير هذه المرحلة على سلوك أطفالهم، وعلى قدرتهم على استيعاب المعارف، ويرجع ذلك إلى قصور حواس وملكات الإدراك لدى الأطفال في هذه السن المبكرة.

 لكن هذا لا يعني أن نسمح للأطفال باللهو والتصرف كيفما شاءوا فهم مازالوا في حاجة إلى الإرشاد والتوجيه ووضع حدود لكل أمر. وما يعنينا هنا ويهمنا هو وجوب توخي الحذر فيما يتعلق بالطرائق المستخدمة لتربية الأطفال، والقيم التي يتم غرسها منذ البداية أو منذ نعومة أظفارهم على وجه التحديد.

ومما يدعو إلى الملاحظة حقاً في هذا الصدد أن الكلمة العربية «تربية»، التي تستخدم غالباً لتعني التعليم أو التدريب، تشير بوجه عام إلى النمو والزيادة والتغذية والتهذيب والرعاية. ويرتبط كل هذا بالجوانب البدنية والعقلية والعاطفية والنفسية والروحية للفرد. وحينما نتحدث عن النمو والتهذيب فإننا نعني بذلك الشيء الذي تم غرسه بالفعل أو الموجود أصلاً أي الفطرة الطبيعية للإنسان. إذن فالتربية تشير إلى الطرائق المتعددة والمتنوعة التي يتم استخدامها لمراقبة الطفل والعناية به حتى يصبح مؤهلاً لتحمل المسؤولية والتصرف بما يتفق مع الإذعان الكامل لله وعبادته - سبحانه وتعالى-.

سأعرض عليكم فيما يلي بعض الوسائل المقترحة لاستخدامها في تربية الأطفال الصغار.

 

اللعب

يجب أن يمثل اللعب والترفيه الأولوية القصوى خلال هذه الفترة من عمر الطفل، وذلك لأن اللعب هو الوسيلة التي يكتسب من خلالها فهم العالم المحيط به. وتعتبر الألعاب التخيلية أو التمثيلية أكثر الأنواع الشائعة في هذه المرحلة، ويؤثر هذا مباشرة على تطور الطفل ونموه الإدراكي والاجتماعي والنفساني. وسيحاول الأطفال محاكاة سلوك الكبار أو الأطفال الآخرين من حولهم أو تقليدهم في لعبهم، وهذه هي طريقتهم نحو التهيؤ والاستعداد للقيام بدورهم الخاص بهم في الحياة.

وسنلاحظ أن البنات يقلدن غالباً أمهاتهن، بينما يسير الأولاد على خطى آبائهم. وسترى البنات يلعبن بالعرائس ويلبسونها ويطعمنها، بينما يقوم الأولاد بحركات وألعاب تتسم بالحركات البدنية العنيفة والبهلوانية. وتتطور هذه الأدوار المتعلقة بجنس الطفل في مرحلة مبكرة وهو أمر طبيعي من تصريف الله - سبحانه وتعالى- للتفريق والتمييز بين مسؤوليات الرجال والنساء في الحياة.

ومن ثم فمثل هذه الألعاب التي يمارسها الأولاد والبنات يجب تعهدها وتشجيعها لدى الأطفال منذ الصغر.

 

الوقاية

إن الحكمة القائلة «الوقاية خير من العلاج» صحيحة للغاية، ليس فقط في مجال الطب ولكن في مجال علم النفس أيضاً. فهناك خطوات كثيرة يجب على الوالدين اتخاذها لمنع سوء السلوك والوقاية منه، وتجنب التمزق والفوضى اللذين يمكن أن يحدثهما هذا السلوك داخل العائلة.

فأولاً وقبل كل شيء يحتاج الأطفال إلى قدرة الوالدين على التنبؤ أو التوقع، وإلى التنظيم والتوجيه والإرشادº لأن هذه الأمور تمنحهم شعوراً بالأمن وشعوراً بأن هناك نظاماً في العالم. وحيثما يتوفر هذا الشعور، يصبح الأطفال أقل عرضة للشعور بالقلق أو التوتر، والذي بدوره سيقلل من احتمالية ارتكاب سلوك غير مناسب أو غير لائق. فالأطفال يتصرفون أحياناً بشكل فوضوي إذا كانوا يعيشون في بيئة ومناخ فوضويين.

ثانياً، من أكثر الأسباب الشائعة على الأرجح لسوء السلوك محاولة الطفل جذب انتباه الأب، أو انتباه الآخرين ممن يكبرونه في السن. فأي كائن بشري يتميز بحاجته إلى الاتصال الاجتماعي وإلى الاستحسان وإلى انتباه الآخرين وهذا شيء فطري في كل فرد. وعندما يفي الوالدان بهذا المطلب ويشبعان هذه الحاجة بشكل كاف، سيشعر الطفل بالرضا وسيصبح مهيأ للغاية للانخراط والانشغال في لعب منفرد. وإذا لم يستطع الطفل اجتذاب الانتباه من خلال السلوك الإيجابي، فربما يلجأ إلى استخدام السلوك السلبي لتحقيق هذا الغرض. وبمقدور الوالدين إشباع هذه الرغبة عبر قضاء وقت مميز مع أطفالهم (على سبيل المثال التحدث معهم أو اللعب أو القراءة أو التمتع معهم بالطبيعة، بل وأكثر من ذلك أحياناً). ويلاحظ هنا أن الكيف أهم من الكم غالباً في مسألة الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أطفالهم.

 

مكافأة السلوك الإيجابي

إن مفهوم الثواب والعقاب جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، حيث إن كل أعمالنا تترتب عليها عواقب طبيعية. ويمكن تطبيق هذه الحكمة نفسها في مجال تربية الأطفال. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا فيما يروي عن ربه - عز وجل - قال «إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هَمَّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إ: والله لن أذهب لكنني كنت أنوي أن أفعل كما أمرني رسول الله. فذهبت حتى مررت بأطفال يلعبون في الشارع. بعد ذلك وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمسكني من قفاي فنظرت إليه (خائفاً) فوجدته مبتسماً وقال لي «يا أنس ألم تذهب إلى حيث طلبت منك؟ » فقلت: بلى يا رسول الله، إني ذاهب». ويضيف أنس - رضي الله عنه - قائلاً: خدمت رسول الله لتسعة أعوام لم أعرف قط أنه قال لي يوماً عن شيء فعلته لم فعلته، أو لأي شيء تركته لم تركته».

وقد يحق لنا أن نقارن بين ما ذكر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين ردود أفعالنا أو تصرفاتنا مع أطفالنا. والواقع أن توبيخ أو تعنيف أو مجادلة أطفالنا على وجه الخصوص قد يؤدي إلى نتائج عكسية، في الوقت الذي لا يدركون هم ما الذي دفعهم للتصرف بشكل ما. ومن ثم فتجاهل سلوك الطفل أحياناً قد يكون أنسب الحلول وأفضلها. ومن الأساليب الأخرى في هذا الشأن توجيه اهتمام الطفل لشيء آخر في البيئة المحيطة به وذلك لصرفه عن عمل شيء غير مرغوب فيه.

من الضروري إذن أن ندرك أن هناك طرائق كثيرة في ضوء هذه التوجيهات لتربية الأولاد. وينبغي على الوالدين أن يأخذوا في الاعتبار الملامح الشخصية والمواهب والمكانة المتفردة لكل طفل على حدة عند اتخاذ أي موقف محدد. فما يفيد مع طفل ما قد لا يجدي بالضرورة مع طفل آخر. ومن المفيد أيضاً أن نتذكر أن أطفالنا هم أحد اختبارات الله الكبرى لنا، ومن ثم فنحن في حاجة دائماً إلى أن نطلب منه العون والمساعدة والهداية لنا ولأطفالنا. يقول الله - تعالى - لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply