التربية الوقائية للأولاد


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأول:

 

أهمية تربية الأولاد في الإسلام:

الأولاد كما في القرآن الكريم زينة الحياة الدنيا قال - تعالى -: [المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدٌّنيَا] (1)، وهم نعمة تستحق الشكر [وَجَعَلتُ لَهُ مَالًا مَّمدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدتٌّ لَهُ تَمهِيدًا] (2)، “وفي نفس الوقت هم مسؤولية يجب العناية بهم لاسيما فيما يصلحهم [يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ](3)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (علموا أنفسكم وأهليكم الخير) (4)، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيته) (5)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ، أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) (6)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن) (7)، والمعنى ما أعطى والد ولداً من عطية وهبة أفضل من تعليمه وتأديبه أدباً حسناً.

وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بين السبابة والوسطى، وفرج بينهما(8)، وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين) وضم أصابعه(9)، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخلت عليَّ امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، فأخبرته فقال: (من ابتلي بهذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) (10)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة) (11).

كل هذه النصوص وغيرها كثير دلت على فضل تربية الأولاد وهو فرع من تربية الفرد الذي يسعى الإسلام إلى إعداده وتكوينه ليكون عضواً نافعاً وإنساناً صالحاً في الحياة، بل هو مدار بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -º حيث قال - تعالى -: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم](12)، “والتزكية هي التربية وأعظم بل أسمى ما يربى عليه الفرد تحقيق العبودية لله رب العالمين وإخلاص العبادة له والسلامة من الشرك” (13)، قال ابن كثير(14) - رحمه الله -: “ويزكيهم: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية” (15).

لذا اهتم العلماء المسلمون بتربية الأولاد، ويتضح ذلك من مؤلفاتهم وكتبهم سواء ما يتعلق بأهمية التربية أو بيان وسائلها أو ثمراتها، قال الغزالي(16) - رحمه الله -: “الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليهº فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له” (17)، وقال أيضاً: “وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء، وكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم” (18).

بل إن الإنفاق على الأهل والأولاد عبادةº حيث قال الله - تعالى - [وَعلَى المَولُودِ لَهُ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ] (19)، وقوله - تعالى -: [لِيُنفِق ذُو سَعَةٍ, مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَليُنفِق مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا مَا آتَاهَا] (20)، وقوله - تعالى - [وَمَا أَنفَقتُم مِّن شَيءٍ, فَهُوَ يُخلِفُهُ] (21)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) (22)، ذكر الراغب الأصفهاني“ (23) أن المنصور بعث إلى من في الحبس من بني أمية من يقول لهم: (ما أشد ما مر بكم في هذا الحبس؟)، فقالوا: ما فقدنا من تربية أبنائنا ” (24).

 

ــــــــــــــ

(1) سورة الكهف 46.

(2) سورة المدثر 12-15.

(3) سورة التحريم 6.

(4) رواه الحاكم 4/494.

(5) أخرجه البخاري ك/ الجمعة، ب/ الجمعة في القرى والمدن، رقم 844، ومسلم ك/ الإمارة، ب/ فضيلة الإمام العادل، رقم 3408، والترمذي ك/ الجهاد عن رسول الله، ب/ ما جاء في الإمام رقم 1627 وأبي داود ك/ الخراج والإمارة ب/ ما يلزم الإمام من حق الرعية رقم 2539، ومسند الإمام أحمد برقم 4266.

(6) أخرجه الترمذي ك/ الجهاد عن رسول الله ب/ ما جاء في الإمام رقم 1627.

(7) أخرجه الترمذي ك/ البر والصلة عن رسول الله ب/ ما جاء في أدب الولد رقم 1875.

(8) رواه البخاري ك/ الأدب، ب/ فضل من يعول يتيماً رقم 5546، والترمذي ك/ الصلة ب/ ما جاء في رحمة اليتيم رقم 1841.

(9) رواه مسلم ك/ البر والصلة والأدب، ب/ فضل الإحسان إلى البنات رقم 4765.

(10) أخرجه البخاري ك/ الزكاة، ب/ اتقوا النار ولو بشق تمرة رقم 1329.

(11) رواه أبو داود ك/ الأدب، فضل من عال يتيماً رقم 4481.

(12) سورة الجمعة 2.

(13) من أخطائنا في تربية أولادنا وطرق علاجها في الإسلام د. محمد عبد الله السحيم ص 8.

(14) إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي الحافظ المفسر المؤرخ، توفي سنة 774هـ.

(15) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/196.

(16) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، فيلسوف ومتصوف، مولده ووفاته بخراسان صاحب المصنفات الكثيرة، توفي سنة 505هـ.

(17) إحياء علوم الدين 3/72.

(18) إحياء علوم الدين 3/61.

(19) سورة البقرة 233.

(20) سورة الطلاق 7.

(21) سورة سبأ 39.

(22) رواه مسلم ك/ الزكاة ب/ فضل النفقة على العيال رقم 1661.

(23) الراغب الأصفهاني أبو القاسم الحسين بن محمد الأصفهاني المتكلم صاحب التصانيف، توفي سنة 502هـ.

(24) تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، 2/499-5.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply