أهمية التعليم في الحفاظ على الهوية الإسلامية


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد حظي العلم والحث عليه وإكرام أهله في الإسلام بمنزلة رفيعة ومكانة عالية لم تكن في غيره من الديانات والحضارات الأخرى، يقول - تعالى -: \" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (11) \"{المجادلة: 11}، ويقول - تعالى -: \"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب 9 \"{الزمر: 9}، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: \"من يرد الله به خيراً يفقه في الدين\"(1) متفق عليه، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث والآثار المروية عن السلف في بيان فضل العلم وأهميته للمسلم وأثره عليه، والتحذير من الجهل وبيان آثاره السلبية على أهله، مما تضمنته دواوين الإسلام.

إن هوية المسلم هي حفاظه على دينه وتميزه عن غيره، واعتزازه به وتمسكه بتعاليمه والتزام منهجه في صغير الأمور وكبيرها، إن الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه بعد بعثة نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - وبلغته دعوته، قال - تعالى -: \" إن الدين عند الله الإسلام 19 \"{آل عمران: 19}، وقال - تعالى -: \" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين 85 \"{آل عمران: 85}، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: \"والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار\"(2)، وهو نظام متكامل شامل لجميع جوانب الحياة كلها، يقول - تعالى -: \" ما فرطنا في الكتاب من شيء 38 \"{الأنعام: 38}، يقول أحد المعاصرين في بيان ذلك: \"فهو منهج شامل متكامل للتصور والاعتقاد والعمل، منهج لا يعرف الانفصام بين أشواق الروح وحاجات الجسد، منهج يجعل من العلوم المادية وثمراتها الحضارية مطلباً أساسياً لعمارة الأرض، ولكن في ظل علاقة الخالق بالمخلوق\"(3).

ومن سبل الحفاظ على الهوية الإسلامية وعوامل ثباتها واستقرارها العناية بترسيخ العقيدة الإسلامية ودراستها والتحذير مما يخالفها وبيان ما يضادها، إلى جانب التعليم الشرعي والتفقه في الدين، بعلومه المتنوعة كحفظ القرآن ومعرفة تفسيره والعلم بسنة النبي {ومدارستها، والفقه وأصوله، وغير ذلك من علوم الآلة المساندة لها.

إن العلاقة بين الهوية والتعليم علاقة وثيقة متلازمة، فمتى كان التعليم قوياً له أصوله الراسخة وقواعده المتينة وشموله الواسع ومعايشته لشؤون الحياة وارتباطه بواقع الناس أثر ولا شك في حفاظ الناس على هويتهم وتمسكهم بدينهم، ولهذا كانت عناية الإسلام بالتعليم بالغة، حتى كان من خصائصه.

إن التعليم في المجتمع المسلم أحد قواعده وركن من أركان بنيانه، وصمام أمان لأهله من فتن الشبهات والشهوات، وسد منيع دون التأثر بالتيارات الضالة والمناهج المنحرفة والطرق المبتدعة، وهو أيضاً يكون الشخصية المسلمة كما أرادها الإسلام، متكاملة متزنة، ترتكز على الصلة الدائمة بالله - تعالى -، تعبده وحده دون سواه، وتصرف له - سبحانه - جميع أنواع العبادة، ولا تشرك معه أحداً، قال - تعالى -: \" فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا 110 \" {الكهف: 110}، كما أنه لا يقتصر على تنمية جانب واحد من جوانب حياة المسلم وتوجيهه، بل يهتم بجميع جوانبه الروحية والأخلاقية والعقلية والمالية والملكية والجنسية وغيرها.

التعليم الإسلامي يكسب المسلم القدرة على التوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، والتوازن بين رغبات الروح ومطالب الجسد، والنزعات الفردية والنزعات الاجتماعية، ويحرص على الجمع بين صلاح الظاهر والباطن والقول والعمل، وسلامة النية والمقصد، ويؤكد على أن انتماءه لمجتمعه المسلم وتأدية حقوقه واجب ديني، وفي مقابل هذا فقد حذر من الفرقة والشذوذ عن الجماعة ونزع يد الطاعة ممن ولاه الله أمره، يقول - تعالى -: \" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا 103 \" {آل عمران: 103}، وقال - تعالى -: \" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم 46 \"{الأنفال: 46}، وقال - عز وجل -: \" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا 59 \" {النساء: 59}، بل أمر بالصلح بين المتخاصمين ورغب في ذلك وحث عليه، يقول - تعالى -: \" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما 114 \"{النساء: 114}، وقال - تعالى -: \" إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون 10 \"{الحجرات: 10}، وبين - عليه الصلاة والسلام - ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم من الترابط والتلاحم، حيث قال: \"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى\"(4).

التعليم الشرعي يبين للفرد الحقوق الواجبة عليه تجاه إخوانه المسلمين، مما دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، كما يرشده إلى مكارم الأخلاق ومعالي الفضائل ومحاسن الشيم، قدوته في ذلك أحسن الناس خلقاً نبينا - عليه الصلاة والسلام - الذي أثنى عليه ربه - جل وعلا - بقوله: \" وإنك لعلى خلق عظيم 4 \"{القلم: 4}.

كما أن التعليم مجال رحب يتيح للمسلم الاطلاع على التاريخ الإسلامي والنظر في سير الصالحين من العلماء، والمجاهدين، والدعاة، والعباد، وغيرهم، ممن بذلوا جهودهم، وأفنوا أعمارهم، وصرفوا أوقاتهم في خدمة هذا الدين ونشره بين العالمين، أداء للأمانة، ونصحاً للأمة، وكسباً للعمل الصالح في هذه المجالات المباركة المتعدي نفعها وثمرتها للآخرين، وفي ثنايا تلك السير العطرة والصفحات الناصعة من تاريخنا الإسلامي يجد المسلم القدوة الصالحة والأسوة الفاعلة التي تحثه على أعمال البر والخير والإحسان، كما قال القائل:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح(5)

 

ــــــــــــــــ

الهوامش:

1- رواه البخاري رقم: (71)، ومسلم رقم: (1037).

2- رواه مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان (186/2) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

3- ينظر: المستقبل الإسلامي في مواجهة القوى المضادة ص: (44).

4- رواه البخاري رقم: (367/10)، ومسلم برقم (2586).

5- قائله: شهاب الدين يحيى بن حبش السهروردي ت (578ه)، ينظر: مقدمة عيون الأخيار ص: (4).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply