جيل التأسيس ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
بدايةً ربما يطرح هذا الموضوع في عدة أسماء، فالبعض قد يسميه (مواصفات جيل التأسيس)، والبعض قد يسميه (صفات القاعدة الصلبة التي تحمل القاعدة الجماهيرية في الدعوة إلى الله)، فتسميته اجتهادية ولكني أميل إلى الأول لأنه أسهل وأبعد عن التشويش خاصة في هذه المراحل المعاصرة.

جيل التأسيس هو ذلك الجيل الذي يعطى مزيداً من العناية التربوية من أجل أن يكون هو القاعدة التي تحتضن غيرها.

ولنا في تجربة النبي - صلى الله عليه وسلم وسيرته الأسوة والقدوة، فبها نقتدي ومنها نتأسىº لأنه - صلى الله عليه وسلم - شهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالعبقرية الفذة في التربية والإعداد، والتأهيل والتكوين والتأسيس، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - صاحب المنهج التربوي الأعظم الذي اجتمعت فيه المواصفات التربوية الكاملة، ذلك لأنه مؤيد من ربه سبحانه، وقد رباه ربه فأحسن تربيته، وكان خلقه - صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم، ولهذا فمن أراد أن يبلغ في التربية منتهاه فلا بد أن يتأسى به - صلى الله عليه وسلم ولا بد أن ينظر إلى وسائله التربوية وكيف نفذها في أصحابه - رضي الله عنهم -.

والمتتبع لسيرته - صلى الله عليه وسلم - والمراحل التربوية التي أمضاها مع أصحابه الكرام - رضي الله عنهم - وخاصة في فترات التأسيس الأولىº يجد مجموعة من العوامل والأسس المهمة في هذا الباب.

ويمكن أن نشير إشارة إلى هذه العوامل والأسس التي كان لها الدور البارز في إيجاد ذلك الجيل \"جيل التأسيس\" أو القاعدة الصلبة التي كانت الأساس في نشر الدعوة وحمايتها فيما بعد، وهذه الأسس يمكن أن نذكرها بإيجاز، ونتطرق إلى تحليل بعضها بحسب الوقت:

1- عظمة المبادئ التي قامت عليها وقام عليها جيل التأسيس: ويكفي في عظمتها أنها تقوم على التوحيد، والتوحيد هو الذي أنشأها بل أنشأ هذه الأمة كلها، وأخرجها إلى الوجود بهذا الاسم المؤثر (أمة التوحيد)، والتوحيد كمبدأ عظيم يفعل في النفوس أفعال عظيمة، ويؤثر تأثيرات بالغة، وقد ضرب بعضهم مثالاً لتأثير التوحيد في النفوس إذا خالط بشاشة القلوب، مثالاً حسياً يراه من يصرفه: ألا ترى قطعة الحديد إذا مر عليه تيار مغناطيسي أو تيار كهربائي ماذا يحدث لهذه القطعة؟ يقول علماء الفيزياء: إنما يحدث لهذه القطعة الحديدية من مرور هذا التيار الكهربائي أو المغناطيس أن يوجد فيها نظام لذراتها مرتب بعد أن كانت الذرات متباينة مختلفة، ويوجد فيها تغيرات لهذه الذرات الداخلية للقطعة، مما يجعلها توصل التيار الكهربائي أو المغناطيسي إلى غيرها.

هذا من الناحية الحسية وهو مثال يبين لك أن الذرات كانت لا تتحرك ولا تحرك، وأنه مع مرور التيار الكهربائي أو المغناطيسي أصبحت شيئاً آخر مع أنها ذلك الشيء الحسي الذي تراه من قبل لكنه أثر في جوهرها، وأثر في تركيب تلك الذرات على نسق معين.

هكذا يفعل التوحيد في نفوس البشر حين يخالطها بشاشة الإيمان، وحين تتعرف على التوحيد، وحين تؤمن بلا إله إلا الله الإيمان الصحيح الذي يؤثر على ذراتها وجزئياتها، وهذا واضح جداً من تلك المبادئ العظيمة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيها ويمنحها لأصحابه الذين تأثروا بها أيما تأثير.

وأنت على دراية وإطلاع على تلك القصص والسير لكثير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف كان يتحول الواحد منهم من مشرك عدو لدود إلى مجاهد مدافع باذل مضحي من أجل الإسلام والمسلمين وهذا أمر مشاهد ومحسوس في الجيل الأول.

2- عظمة المربي - صلى الله عليه وسلم -: وهذا شيء آخر تقوم عليه القاعدة الصلبة أو ينبني عليه جيل التأسيس ألا وهو شخصية المربي، وهو - صلى الله عليه وسلم - إمام المتقين، وأعظم المربين - بأبي هو أمي صلى الله عليه وسلم - فقد كانت شخصيته جامعة، جمعت ما تفرق من شخصيات الأنبياء والمرسلين من قبله، أضف إلى ذلك ما أعطاه الله من خصائص وميزات لم يعطها أحد من قبله، وهي خصائص الرسول الأعظم.

إذن إذا كانت الخصائص في جميع الأنبياء والرسل قد جمعت فيه ثم أعطاه الله خصائص أخرى لم يعطها أحد من قبله فهذا يدل على عظمة شخصيته - صلى الله عليه وسلم - فإذا نظرت إلى عظمة المبادئ، وعظمة المربي - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك يعطيك دلالة واضحة على قوة الأسس والعوامل التي أثرت في الأشخاص الذين يستمعون ويتلقون التربية على يديه - صلى الله عليه وسلم – مباشرة، وحملوا لمن بعدهم تلك التربية، فإذا أضفت شيئاً آخر من طبيعة الناس الذين يعيشون تلك المرحلة وهي ما يسميها علماء التربية بسلامة الفطرة.

3- سلامة الفطرة كانت عامل من عوامل جيل التأسيس: ومن العوامل المساعدة التي أثرت في تكوين جيل التأسيس والقاعدة الصلبة الأولى سلامة الفطرة للأشخاص الذين أثرت فيهم تلك التربية، وتلك الشخصية العظيمة الجامعة لجميع خصال الخير، نعم لقد كانت الجاهلية الأولى قد أفسدت كل شيء في الوجود، أفسدته ظاهراً، ولكن هذا الإفساد كان بمثابة تلك القشرة الفاسدة التي غطت تلك الذرة المحصنة، فإذا زالت تلك القشرة تلألأت تلك الجوهرة ثم عادت من جديد للتأثر والتأثير.

لقد كانت الجاهلية الأولى قد أفسدت كل شيء في نفوس العرب المشركين، ولكنه فساد في القشرة لم يتغلغل إلى صميم الفطرة إلا في الأحوال النادرة، وهذا ملحوظ من خلال دراسة أحوال الجاهليين، ويمكن ضرب الأمثلة على ذلك بمسألة الزنا، وهو نوع أفسدته الجاهلية في العرب آنذاك لكن بقت هناك أسر كما في الحديث \" وهل تزني الحرة \" وهم الأحرار.

لقد بقيت هناك مجموعة من الأخلاق ومجموعة من القيم وحتى الفساد العام كما قال البعض لم يتغلغل كلياً في كل الناس، ولهذا فإن هناك القليل منهم من مات على كفره بعدما وضح له الحق، واتضح له السبيل، وبعد أن ذهبت جميع الحواجز عنه، ولذلك ما أن جاء الإسلام بذلك المبدأ العظيم، وتلك الشخصية العظيمة التي أثرت في الناس فأزالت الفساد من القشرة حتى وجدت تلك الفطرة العظيمة السليمة التي تأثرت تأثراً بالغاً بتلك التربية، وكانت أحد مواصفات جيل التأسيس الأول، ولذلك كان يتحول الشخص بين عشية وضحاها من مشرك عاتي إلى موال مجيب مصدق، وذلك كله يدلنا على استعداد تلك الفطرة السليمة للانتقال من حال إلى حال، بل من البلد التي ولد الإنسان ونشأ وترعرع فيه إلى بلد آخر مما يدلك على سلامة الفطرة عند أولئك الناس.

أضف إلى ذلك الحالة التي كانوا يعيشونها والتي كانت تؤهلهم للانتقال من مكان إلى مكان، ومن فكر إلى فكرº لأنهم هم أصحاب الصحراء والبدو الرحل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply