استمتع بشبابك


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

كثير ممن يرى هذه الجملة إنما يتوجَّه لقراءة ما تحتها باعتباره نقداً لها وبياناً لخطئها، وليس بغريب أن الكثير من الشباب الذي منَّ الله عليه بالانتصار على هوى نفسه، وسلوك طريق الاستقامة إذا سمع مثل هذه الدعوة للاستمتاع بشبابه فإنه يقابلها بتحفٌّز وصراع كبير مع نفسه الأمَّارة بالسوء، بل قد يَرُدٌّ بغضب مؤكِّداً أنه - لتديٌّنه - لا يريد الاستمتاع بشبابه، مما يسبِّب له شيئاً من الأزمة النفسيَّة ولو لوقت وجيز، وقد يكون تتالي هذه الدَعَوات له من الآخرين للاستمتاع بالشباب سبباً في انحرافه عن طريق الاستقامة ولو بعد حين.

وهذا الموقف نموذج من بين نماذج أخرى مشابهة تكشف لنا خطأً كبيراً في فهمنا لحقيقة دين الله العليم الحكيم، وضعفاً في يقيننا بكونه رحمة وهدى للعالمين، وتكشف لنا كذلك تلازماً في كثير من الأفهام بين التديٌّن والاستقامة من جهة، وبين معاني سالبة مثل الكبت والحرمان والحزن والشقاء والتضييق على النفس والتعاسة الدنيويَّة من جهة أخرى، وخطورة هذا الربط أنه يصادم حقيقة شرعيَّة جاء إثباتها في عدد من الآيات والأحاديث، ومن ذلك مثلاً قوله تعالى: (طه * مَا أَنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى) فلا يمكن أن يكون القران والتمسٌّك به سبباً لشقاء الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -، ولا لشقاء أتباعه، وبالتالي فهو سبب لسعادتهم الكاملة واستمتاعهم.

وهذا الربط الخاطئ هو أحد أسباب تأجيل التوبة، ووقف تنفيذها عند من اتخذوا القرار بأنهم محتاجون لهاº خوفاً من فقدان السعادة الشبابيَّة بسبب الانتظام في دائرة المتمسِّكين بدين الله.

ونحن حين نتعامل مع مثل هذه الجُمل يجب ألاَّ نبطل أصلها، لأن السعي للسعادة والتمتٌّع بالدنيا أمر فطريُّ وغاية من غايات البشر، وإنما نبيِّن بهدوء معناها بإبطال المعنى الفاسد، وإثبات المعنى الحقيقي لها المرتبط بسعادة الروح أولاً.

ولا شك أنك وأنت في مقتبل هذه المرحلة أصبحت تعي تماماً ما معنى سعادة الروح وما معنى شقائها، واسمح لي أن أقف معك - أخي الشاب - وقفة مصارحة، وأسألك هذا السؤال: أليست نعمة الشباب التي قد تفقدها أخي دون أن تستمتع بها جديرةٌ منك بنوع من الاهتمام والتجرد لتعرف الكيفيَّة الصحيحة للاستمتاع بكل دقائقها أكمل استمتاع؟ لا تستعجل في الجواب فبيني وبينك حوار عنها في المقال القادم - بإذن الله -.

أما أنت يا من بدأت في طريق الفلاح فوصيتي لك في خاتمة المقال أن ترفع رأسك عالياً، وأن تستشعر من داخل قلبك عظمة المتعة التي أنت فيها، وإن لقيت من يدعوك - بمكر أو جهل - إلى تلطيخ شبابك بمُتع جسديَّة أو نفسيَّة لا بقاء ولا حقيقة لها فلا تخف إنك أنت الأعلى، وقلها له بصوت واثق مرتفع: \" بل أنت فتعالَ اركب معنا سفينة السعادة، واستمتع بشبابك \"

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply