المعلم من الواجب الوظيفي إلى الواجب الرسالي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمــــة:

إن واقع المؤسسات التربوية والتعليمية في بلادنا العربية والإسلامية ليس بالمحل المأمول، ولا بالمكان المحمودº ويكفي أن تتعرف على شريحة منها لتنبئك عن البقية، في مناهجها، وعناصرها، ونظم إداراتها، ومدخلاتها ومخرجاتها، وغير ذلك مما لـه صلة.. فهذه المؤسسات بحاجة ماسة ومستمرة للإصلاح والتقويم، والتجويد والتحسين، والتطوير والتعديلº حتى تنهض بدورها العظيم في الأمةº توجيهاً وإرشاداً وتعليماً وإعداداً، وتزويداً للمجتمع بالكوادر الصالحة النافعة الفاعلة في شتى جوانب الحياة.

 

وعملية الإصلاح هذه تحتاج إلى تضافر جهود، وإلى بذلٍ, وتضحيات، وعزمٍ, وصدق نيات، ولا يُنكَر ما قام ويقوم به بعض أهل العلم والفضل والسبق من جهود مشكورة، ومساعٍ, حميدةٍ, مبرورة، لكن مع ذلك فالساحة العلمية والعملية بحاجة إلى المزيد من الجهود والإضافات، ومشاركتي تأتي فيما له علاقة بالمُعَلِّم الذي هو العمود الفقري للعملية التعليمية والتربوية، أحاول فيها أن أرسمَ صورةً للمعلم المثال، صورةً قابلةً للتطبيق والتحقيقº صورةً آمل أن تتصف بالعمق والإحاطة، والتكامل والجمال، للمعلم صانع الأجيال. فمِن بين يديه يتخرج القادة والساسة، والآباء والأمهات، وكل ذي رعية ومسئولية.

 

ولا بد أن أشير هنا إلى ما استفدته من أمثال بدر الدين ابن جماعة في كتابه: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، والخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، ومن المُحدثين العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه: الرسول والعلم، والشيخ محمد بن عبد الله الدويش في رسالته صغيرة الحجم عظيمة النفع: المُدَرِّس ومهارات التوجيه، فقد أفدت من هذه الكتب فوائد جمّة، تستحق التنويه بها، والتشجيع لمراجعتها.

 

فأرجو أن تكون أوراقي هذه ترجمةً صادقةً لِما أمّلت، وتأويلاً لما تمنيّت، فهو جهد أُضيفه لجهود من سبق، عساه أن يكون زيادة في الخير، وحثاً على السير، وعلى الله قصد السبيل..

 

أهمية الموضوع:

إن الناظر في حال مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، أي في حال الأمة جمعاء، يلمح بوضوح أنواعاً من الخلل قد انتظمت كافّة مناحي الحياة وشرائح الأمة، فهذا أمر لا تخطئه عين، إذ هو خلل واضح وقصور فاضح، إن كان في الأداء السياسي على مختلف مستوياته، أو في الأداء الاجتماعي على تنوع أحواله، أو في الأداء الاقتصادي في جميع مجالاته.

 

فهذا حاكم مستبد وصل إلى سُدَّة الحكم على غير رضىً من رعيته، فعمل على كل ما يضمن له الاستقرار والاستمرار على رغم الأنوف، دون مُراعاةٍ, لحقوقٍ, أو أداء لواجبات، ومثله وزيرٌ لم يُصَدِّق أنّه في هذا المكان حتى أعمته نفسه ومَن وراءه مِن أهلٍ, وعشيرة عن النظر في واجبات الوظيفة ومتطلباتها، وفي المقابل معارضٌ التزم بالكلمة لفظاً ومعنى، لا يرضى بالحقّ ما دام قد خرج مِن غير إنائه، ولا يؤيد الخير ما دام قد صدر عن خصومه، ولا حرج عنده أن يُدمِّر كل مكتسبات دولته إذا كان ذلك يوصله إلى السلطة، فهو معارضٌ وكفى.

 

وهذا إعلاميّ همّه الربح المادي أو الشهرةº فجعل الإثارة ديدنه، ودغدغةَ الغرائزِ مركبه، غير مبالٍ, بقيمٍ, ولا أخلاق، ولا وقائعَ ولا حقائق، مجانبٌ للصدق ومعايير المهنة.

 

وذاك محامٍ, تتصارع على لسانه الكلمات، ويلعب بها لياً ودفعاً للحقّ، وهو أول من يعرف أن موكله ليس له في الحقّ نصيب، لكِنّه يسعى بكل جُرأة مستغلاً ما في القوانين من ثغرات ليستخرج لصاحبه صك البراءة المزور.

 

وهناك يقف رجلُ أمن تصور من نفسه أنه القانون والنظام، وأنه الخصم والحكم، فيرمي بين الناس آلة البطش والقهر، ويوقع فيهم الرعب والخوف بدلاً من الأمن والطمأنينة، دون أن يجد من يردعه أو يحاكمه..

 

وهذا عالم في علوم الشرع متبحر، ومن تفاصيله متمكن، لكن أحواله وأفعاله تصادم أقواله ومواعظه، أو هو منكفٍ, على نفسه يؤدي وظيفته التي أنيطت به في برود مميت، وتخشب معيق، لا يكاد يهتم بما يدور حوله من انفلات أو انقلاب على أمور الشرع.

 

وهذا زوج عرف كيف يستَلّ هذه الفتاة من أهلها بدفعه المهر، لكنه لم يحسن الاختيار، أولم يحسن المعاملةº حتى تحولت الحياة الزوجية من السكينة إلى الرعب، ومن المودّة إلى البغض، ومن الرحمة إلى القسوة، وقد تكون صاحبته وأهلها وراء هذه النتيجة السلبية.

 

وهناك أبٌ أظهر فحولةً في إنتاج الأولاد، لكنه فشل في تريبتهم وإعدادهمº فكل همّه أن يفرغ في أفواههم أطايب الطعام، ويلف أجسادهم بمحاسن الثِياب، غير آبه بما يحيطهم من سيء الأخلاق، والله - تعالى - يقول: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) [سورة طه: 132].

 

وهذه فتاةٌ أو امرأة تستجيب بغباءٍ, لمغازلة بيوت الأزياءº لا تكاد تردّ يد لامس، حتى تجردت تماماً من عقلها وإحساسها وشخصيتها وإرادتها كما تجردت من ثيابها وحشمتها، فهي تلهث في طلب الحرية حتى وقعت في أذل سجن وأخبث قيد.

 

وهذا تاجر جشع إن أخذ استوفى وأغمض وطفف، وإن أعطى أنقص ودلّس وأخسر، جعل الحلف بضاعته، والغِشّ تجارته، فهو يسلك كل وسيلةٍ, لإطفاء نار جشعه.

 

وهكذا تتعدد صور الخلل في مجتمعاتنا على تفاوتٍ, بينها، لتعكس واقعاً مريراً، وتحكي حالةً مزرية. ولا ننكر وجود صورٍ, مشرّفة هنا أو هناك فالخير في الأمةٍ, باقٍ,، لكنها تكاد تنطمس في هذا الركام الآسن، والزحام الغائم، أو أنها لا تمثل أستاذية الأُمة وريادتها التي ينبغي أن تكون عليها.

 

ولعل تلك الصور السلبية جميعها لا تبلغ ما بلغه الخلل في مهنة التعليمº لأنها نتاجه وإفرازه، فلو تتبعنا هذه الصور السلبية والظواهر الخاطئة باحثين عن أسبابها وعللها، لقادنا البحث والتتبع والقراءة الفاحصة والمتأملة إلى سببٍ, واحدٍ,، ألا وهو التعليم، فالمرض الذي أصاب هذا الجانب الأساس من حياتنا هو الذي أفرز تلك الصور السلبية التي أشبه ما تكون بأعراض لمرض مركزي، والتي مهما بذلنا في إصلاحها لن نصل إلى غايتنا ما دام المرض المركزي لم تصله يد الإصلاح ومِبضع الجراح.

 

فالإصلاح في قطاع التعليم يعني الإصلاح في كل القطاعات الأخرى، فهو القلب الذي بصلاحه يصلح الجسد كله، فلا بد من توجيه العناية المكثفة إليه، ولا يعني هذا الانقطاع عن إصلاح القطاعات الأخرى حتى ينصلح القلب (التعليم)، بل ينبغي أن تسير عملية الإصلاح في خطوط متوازية ومتوازنة، مع التركيز على منطقة القلب فهي الرافد الأساس والمحرك الرئيس. والاهتمام بهذه القطاعات مهم جداً أثناء عملية الإصلاح المركزية حتى لا تعوق تدفق الدماء الحارة والمتجددة مِن المركز الرئيس.

 

وأيضا هناك شكوى عامة قائمة في عالمنا العربي والإسلامي من تدني مستوى التعليم الجامعي، ويعزون ذلك إلى ضعف التعليم العام باعتباره الرافد له، لكننا عند التأمل نجد أن القائمين على التعليم العام ما هم إلاّ متخرجوا التعليم الجامعي، فيعود الأمر جَذَعاً، أو دوراً، فلا بد أن تتسم عملية الإصلاح بالشمولية لجميع قطاعات التعليمº حتى يأخذ بعضها بحُجَز بعض.

 

فدور التعليم إذن جِدّ كبيرٍ, وخطيرº إن في الإصلاح وإن في الإفساد، فما مِن فردٍ, مِن أفراد المجتمع إلا وقد مرَّ بمرحلةٍ, أو أكثر مِن مراحل التعليم، قد كان له فيها مُعَلِّم يتلقّى عنه، ويتأثر به، فحاجة الناس إلى المُعَلِّم فوق كل حاجة، ووجوده وأثره في حياتهم ـ إن استغل بالشكل الأمثل ـ بارز وظاهر، فتعليم ناجح يعني مجتمعاً ناجحاً.

 

وإذا كان التعليم: مُعَلِّماً ومُتعلماً وكتاباً، إلا أن نصيب المُعَلِّم أكبر، فهو إضافة إلى كونه الوَصلة بين المُتعلم والكتاب، فهو أيضا مُربٍّ, وقدوةٌ وموجهٌ ومرشدٌ إلى غير ذلك من الصفات التي قد لا تُوجد في الكتاب وحده، وإن وجدت لم يمكن الإفادة منها بالشكل المرجو، ولهذا سيركز هذه البحث الكلام على المُعَلِّم ودوره في العملية التعليمية، وبالأخص على الجانب التربوي منها، باعتباره الجانب الأكثر أهمية وخطورة في الوقت ذاته.

 

فالتعليم واحدٌ مِن مؤسسات مجتمعاتنا التي أصابها الخللº ذلك الخلل الذي برزت آثاره وصوره المتعددة في باقي مؤسسات المجتمع كما سلف التمثيل لها.

 

لمن هذا البحث؟

هذا البحث مقصود به المُعَلِّم أينما كان موقعه، وفي أي مرحلة من مراحل التعليم يعمل، وكيفما كان نوع التعليم الذي يمارسه، ونوع التخصص الذي يقوم بتدريسه، بل قد يعني كل من يتصدى لعملية التعليم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فالأب مُعَلِّم في بيته ومثله الأم، والخطيب وإمام المسجد مُعَلِّم في مسجده، والحاكم ومثله القاضي والمدير معلمون كلٌ في دائرته، وكذا كل مسئول يمكن أن يكون مُعلِّماً لمن هم تحت مسئوليته بنوع من التعليم يتناسب ومهنته ومكانتهº لأنهم يفيدون من خبرته وتوجيهاته، ومن حسن سمته، وجمال تعامله، وجودة إدارته، ودقة تصريفه ومعالجته للأمور، إلى غير ذلك من أنواع التعليم.. وقد جاء في الحديث العظيم المبنى والمعنى: \"كلكم راع ومسئول عن رعيتهº فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته\" [صحيح البخاري (الفتح) 5/11 كتاب العتق ح:2554، وصحيح مسلم 3/1459 كتاب الإمارة ح:1829].

 

لكن مهمة المعلم المدرسي تتعاظمº لأنه الشخص المختار لعملية التعليم المنهجية، والتي يمر بها معظم الناس، إن لم نقل كلهم، فأي فرد من أفراد المجتمع لا بد أنه تلقى نوعاً من التعليم، ومرَّ بمرحلة من مراحله، فالمُعَلِّم تتخرج من خلاله قطاعات المجتمع كل في تخصصه وفنه الذي اختاره أو اختير له.

 

وغالباً ما تكون عملية التعليم توارثاً بين المُعَلِّم والمتعلم، فمتعلم اليوم سيكون مُعَلِّم الغد، كما أن مُعَلِّم اليوم كان مُتعلما بالأمس، وهكذا فهي عملية مُتوارثة، يتعاقب عليها كثير من الناس.

 

والمعلم ـ أيضاً ـ هو معلم مِن وجه ومتعلم مِن وجه آخر، حيث يقوم بتزكية نفسه وعلمه ومهاراته بجهده الذاتي، إضافة إلى وجود مَن يشرف عليه ويتابعه وينمي قدراته ومهاراته، ويسدد خُطاه نحو الطرق التعليمية الصحيحة على ما هو معروف في الأطر الإدارية في وزارات التعليم والتعليم العالي في بلدان العالم.

 

نماذج سلبية لبعض المعلمين: [قد استفدت أكثر هذه النماذج من رسالة: المدرس ومهارات التوجيه لمحمد بن عبد الله الدويش ص:13-16]

 

والآن أدلف إلى عرض بعض الصور السلبية لبعض المعلمين والتي ازدحمت بها مؤسسات التعليم على مختلف مراحله والتي كانت وراء تلك الصور الشائهة في مجتمعاتنا.

 

فهذا معلم لجأ إلى وظيفة التعليم بغية الامتهانº ينظر إليها على أنها مجرد سبب للتكسب والارتزاق، ولو كان يقدر على امتهان وظيفة أخرى غيرها تُحقق له مكاسب أكبر أو مثلها دون تحمل مشاق التعليم لقصدها، فهو صريع لميزان الربح والخسارة المادية، والحوافز والعوائق، يقابل بينها، دون نظر إلى رسالة التعليم وأهدافها السامية، فهو لا يحفل بها ولا تقع في دائرة همومه، فماذا يُنتظر من معلم الأجيال وهذه النظرة مسيطرة عليه، تملأ عليه مدراكه وهمومه؟!

 

ومعلم ثان يشكو دهره ويندب حظه، وهو منغمس في أعباء التدريس التي لا تكاد توفر له راحةً ولا تدرّ عليه مالاً يكافئ جهده، فما يبذله أكثر مما يحصل عليه، فتراه يتطلع إلى أقرانه الذين اختاروا أعمالاً أخرى غير التعليمº يتعاملون مع أوراق صماء، ويواجهون جمهوراً من الناس أرقى عقولاً وأسهل تعاملاً من أطفال المدراس، والأهم من ذلك أن تنتهي أعمالهم وعلاقتهم بدائرة العمل بانتهاء الدوام الرسمي، أما صاحبنا فأعباء المهنة تلاحقه حتى في أوقات راحته وأعياده وعطلاته الرسمية، وأقل ذلك همومهاً، فهو ينظر إلى نفسه أنه أخسر الناس صفقة، فأية فائدة تربوية ترجى ممن كان في هذه الحالة؟!

 

وثالث لا يهتم بما يدور خارج قاعة الدرس، فجل همّه إكمال المقررات والفراغ من تدريسها، والإتيان على عناصرها ومفرداتها لا يترك منها شيئا، هذا ما يشغله، وهو ما يوظف نفسه لتحقيقه، غير ملتفتٍ, لغيره، وهذا منه حسن، لكنه فاقد الإحساس أو فاقد الغيرة على أحوال أُمته وأحوال أبناء المسلمين الذين يتهافتون على الفساد أمام ناظريه، دون أن يحرك ذلك فيه ساكناً، أو يثير فيه حميّة، كأن الأمر لا يعنيه في شيءº وإنما الذي يعنيه تدريس الفاعل والمفعول، أو توضيح المركبات وقوانينها وخصائصها. بل الأعجب أن يكون صاحبنا معلماً لمواد العلوم الشرعية، وهو مع ذلك منفصل تماماً عن واقع طلابه ومجتمعه.

 

ورابع لا يبارح تخصصه العلمي أو الأدبي البحت، بل هو يراوح بين نواحي المقرر والتخصص، لا يربطه بالقضية الكبرى، قضية الإيمان والأخلاق وتعميقها في نفوس طلابه من خلال تخصصه، ومراعاة ذلك في سلوكهم وفهمهم واستيعابهم، ظاناً أن هذا ليس من شأنه، ولا من مهامه، بل له أستاذ آخر ومقرر آخر، أما هو فليوفر جهده ووقته لما هو بصدده من قضايا التخصص.

 

وخامسº معلم لجأ إلى التعليم باعتباره الوظيفة الوحيدة المتاحة أمامه، لم يقصدها رغبةً ولا حرصاً، بل مُكره أخاك لا بطل، فهي الوحيدة التي تتناسب وقدراته ومؤهلاته، دون رغباته وتطلعاته، وحاله يحكي حال الآلاف من طلبة كليات الشريعة والعلوم الإنسانية والأدبية، الذين لجأوا إليها مكرهين مدفوعين بالأبواب، حيث حبسهم ضعف المعدل الأكاديمي عند هذه الحدود، ولم يمكِّنهم من تجاوزها إلى كليات أخرى كانت محط آمالهم، ومنتهى تطلعاتهم. فأي تفوّق وإبداع وأي إخلاص يرجى ممن هذا حاله سواء في الطلب، أو في العطاء.

 

وسادس.. وسابع...

 

فهذه وغيرها صور سالبة متعددة تزدحم بها حياتنا التعليمية كان لها الأثر السيء والعميق في مؤسسات المجتمع المتنوعة على ما حكيناه سابقا.

 

ومع ذلك فإن العدل يقتضي أن نعترف ـ مقارنةً بالماضي عشيّة خروج المحتل ـ أن نسبة المتعلمين إلى مجموع السكان قد ارتفعت ارتفاعاً مطرداً ولا تزال في ازدياد، المعلم والمتعلم والمدارس والوسائل التعليمية ومن أهمها الكتاب، وصار التعليم إلزامياً في كثير من البلاد، لا سيما التعليم الابتدائي، وانفتح التعليم الجامعي أمام معظم فئات المجتمع بعد أن كان حِكراً على فِئات مُعينةº إما بسبب الانتقائية، وإما بسبب الضعف المادي لدى قطاعات كبيرة مِن المجتمع، وإما لأنه كان يعد ترفاً اجتماعياً في بعض الأوساط وفي أوقات مضت.

 

المهم أن التعليم الآن أصبح حاجةً اجتماعية، الحرص عليه لا يقل عن الحرص على بقية الحاجيات.

 

لكن كل ذلك لم يمنع مِن ظهور تلك الصور السلبية للمُعَلِّم، ويقابلها صور سالبة للمتعلم مِن الضعف العلمي والتربوي، مع ضعف الهمّة والطُمُوح، إضافة إلى أنّ المؤسسة التعليمية تعاني من إخفاقات كثيرة من أهمها: [انظر: مجلة البيان ـ الافتتاحية ـ العدد 16]

 

1- تغليب المستوي الكمي على المستوى الكيفي للمعلم والمتعلم.

 

2- النظرة الخاطئة نحو التعليم واعتباره وسيلة ارتزاق وليس غاية قائمة بنفسها، ومن ثم ربط بين التعليم وبين ما يسمى بحاجة سوق العمل.

 

3- اهتزاز قيمة المعلم الاجتماعية، وتقويمه تقويماً مادياً صرفاً، حتى صار المعلم أقل حظاً من ذوي المهن والحرف اليدوية التي لا تتطلب إعداداً علمياً أو تثقيفياً مثلما يحتاجه المعلم.

 

4- أصبحت مهنة التعليم من المهن المحتقرة في المجتمع، لا سيما في مجال التعليم العام، على الرغ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply