أنا أحبك


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: لست هنا أتحدث عن أعظم الحب وأكمل وأجمل الحب الذي يغني ويسلي عن كل محبوب وهو حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما حديثي عن الحب الطبيعي بين الناس وعن حاجتهم إليه.

 

الحب غريزة فطرية لا ينفك عنه أحد ويحتاج إليه كل أحد ولا يصفو العيش ويرتاح البال وتزول الأكدار وتطرب النفس ويسعد البال بمثل الحب.

 

الحب يقضي على المشاكل وينسي المعايب ويفتح العين على المحاسن، وتنسى معه النقائص، ويتحمل بسببه المصاعب وتنفق في سبيله الأموال.

 

وعين الرضا عن كل عيب كليلة*** ولكنّ عين السخط تبدي المساوي

 

الحب يطرب له العظيم والحقير والرجل والمرأة والطفل والشيخ الكبير ولا يستغني عنه القائد والأمير، بل الحب أصل كل عمل صالح وباطل، وكل حركة في العالم فأصلها الحب. (الجواب الكافي ص138، 142).

 

لا يتسلى عن الحب الشجاع بشجاعته ولا الغني بماله ولا القائد حين انتصاراته، فهذا القائد الشجاع المغوار عمرو بن العاص - رضي الله عنه -في نشوة الانتصارات في معركة ذات السلاسل لم ينسه الانتصار عن البحث عن الحب ولم يستغن بقيادته وشجاعته عن الحب، فيأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبحث عن هذه الكلمة العظيمة فيقول: «من أحب الناس إليك يا رسول الله؟» فيقول - صلى الله عليه وسلم -: «هذه» ويشير إلى عائشة، فيعود بالسؤال مرة أخرى: «أعني من الرجال» فيقول - صلى الله عليه وسلم -: «أبوها» فيعود بالسؤال مرة أخرى: «ثم من» فيقول - صلى الله عليه وسلم -: «عمر» ثم عد رجالاً. وأمسك عمرو عن المتابعة خشية أن يكون في آخرهم، ورضي بأن يعيش بالمقدار الذي يتصوره من الحب عن المعرفة القطعية بترتيبه في منزلة الحب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

كثيرًا ما تضعف العلاقات وتضعف المودة، وتغيب الرحمة وتنشأ الخلافات وينكشف الرصيد العاطفي بين أفراد الأسرة بسبب غياب كلمة الحب عن الأسماع، فبداية الخلافات من الشح بهذه الكلمة، كما أن الحلّ يبدأ بإشاعتها في جو الأسرة.

 

بل إن كثيرًا من المغازلات والعلاقات الفاجرة نشأت بسبب غياب كلمة الحب في البيوت، فيتصل الفاسق على هاتف الفتاة المسكينة فيسمعها تلك الكلمة التي تجعلها ترقص طربًا «ألو ألو أنا أحبك» ومن هنا تنشأ العلاقات وتتواصل الاتصالات ويبدأ خط الانحراف والتفكك في الأسرة.

 

ولو كانت هذه الكلمة شائعة في المنزل تسمعها الفتاة من أمها وأبيها كل صباح ومساء لما استطاع ذلك الفاجر أن يغتالها ولأغلقت في وجهه السماعة حينما قال لها \" أنا أحبك \" وقالت في نفسها: كلمة مشهورة معروفة.

 

إن كل إنسان سوي يحتاج إلى الحب كحاجته إلى الطعام والشراب. كما أنه يشترط في الحب ما يشترط في الطعام، فإن أكل طيباً محتويا على الفيتامينات والبروتينات والنشويات وكان غذاؤه متكاملا، قوي جسمه وصح عقله وارتاح باله وسعدت نفسه، وأصبح ظريفا أنيقا جميلا لطيفا.

 

والعكس صحيح إذا أكل طعاما سيئاً هزل جسمه وضعف عقله وذهبت نظارته وتنغصت حياته.

 

وكذلك الحب: إذا غذيت النفس بالحب الطيب أورث ذلك أنساً وراحةً وسعادةً وفرحاً وسروراً، وإن تعلقت النفس بالحب الوهمي والحب الساقط تعذبت به وأورثها شقاءً وعنتاً وتعباً وعُقَدَاً نفسية فتسارعت إليها الأمراض، وهجمت عليها الأسقام، وتعقدت النفس وأصبحت كما يقول الشاعر:

 

وكأس شربت على لذت                 وأخرى تداويت بها منها

 

وليس بين فتاة أجنبية وشاب حب بريءº لأن الحب الفاسد يغطي على العقل ويطمس البصر وينسي العقوبات والعواقب، ويرى معه الشر خيرا والخير شرا.

 

ومثله ما ينشأ فيما بين فتاة وأخرى، وشاب وآخر من الهيام بمحبوبه والإقبال عليه إقبال العاشق على معشوقه، وقد يغلف بأنه حب بريء، أو يزينه الشيطان بغلاف براق فيسميه حب في الله، ومن آثار هذا الحب السيئة:

 

1- عذاب القلب وحرقته بمن أحب أو أعجب به، ومن أحبّ شيئًا عذّب به.

 

2- الانشغال عن مصالح دينه ودنياه بتعلقه بمن أعجب به.

 

3- ذوبان الشخصية بمن أعجب به.

 

4- ضياع الوقت بملاحقة من أعجب به والبحث عن مرضاته وليس هناك شيء أذهب للوقت من العشق والحب المقلوب.

 

5- ضعف التحصيل العلمي.

 

6- ضعف العقل حيث يبدأ عنده التقليد الأعمى.

 

7- قلب العدسة فيرى الشر والصفات السيئة بمن أعجب به صفات حسنة وجميلة. وكما قيل: حبك للشيء يعمي ويُصِمّ.

 

 

 

«فالعاشق يرى القبيح من معشوقه حسناً فحبه له يعمي عين القلب منه عن رؤية مساوئ المحبوب وعيوبه».

 

«يفسد الحواس، وفساده ظاهر، بأن يمرض البدن وينهكه، وربما أدى إلى تلفه كما هو معروف في أخبار من قتلهم العشق» (الجواب الكافي ص 309).

 

8- الانفصال عن المجتمع وأحواله وأحداثه بسبب التقوقع على المُحَبِّ والمعجب به.

 

9- زرع البغضاء والعداوة في قلوب زملائه بسبب بعده عنهم وتعلقه بغيرهم.

 

10- الرق والعبودية للمعجب به والمحبوب كما قال الشاعر:

 

إن هواك الذي بقلبي                     صيرني سامعاً مطيعاً

 

والذي أنصح به كل أسرة تعشق العيش السعيد في جلباب الحياء الجميل أن تشيع كلمة الحب بين أفرادها، وأن تكثر من كتابتها بجميع الخطوط والألوان وتزين بها جدران مواقع الجلوس والاجتماعات في المنزل.

 

أسأل الله - تعالى - للجميع حبا في عفاف وتواصلا في غير جفاف.

 

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply