الغرائز الفطرية


  

بسم الله الرحمن الرحيم

خلق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان، فجاء كامل التكوين تام الخلق والخلقة وأودع فيه الملكات العليا من فكرية وعقلية ونوايا وغرائز وشهوات تستجيب لها الروح كما يستجيب الجسد· ولعل الإسلام كان سباقاً لجميع الأديان والشرائع لضبط الغرائز والشهوات الكامنة في نفس الإنسان ومن ثم استغلالها وتوجيهها للخير والأخلاق وهناء الإنسان وتقضي فلسفة ذلك التوجيه بحسن استخدام الإنسان لها واستثمارها على أفضل وجه دون أن يقيد ذلك التوجيه من حرية الإرادة والاختيار لديه·

 

وهي فلسفة اختلطت فيها القيم الدينية مع المعايير الأخلاقية وأرست بداية المعرفة الإنسانية لنفس الإنسان وما يعتمل فيها من أحاسيس وشعور، وما ينتابها من هواجس وغرائز، وتبنى الإسلام توجيه الإنسان نحو الفضيلة والأخلاق وتنمية الغرائز الخيرة والاستجابة لمتطلبات الجسد ضمن حدود مرسومة بحيث يكون الإنسان سيد نفسه معرضاً للابتلاء والسقوط كما هو معرض للنأي بالنفس بعيداً عن الآثام·· فلم يقتل في النفس تلك الغرائز ولم يقض على الشهوات في الجسدº لأن كل تلك الملكات هي صفات لازمة لعمارة الكون واستمرار النسل والاستخلاف في الأرض· وسأعالج في هذا الحديث الموجز، ثلاثة أنواع من الصفات الإنسانية·· ليظهر للعالم حقيقة الدين الذي ينشد الخير للإنسان، وهي الغرائز والعصبية والشهوات·

أولاً: من المعروف علماً وواقعاً وإحساساً أن غرائز الإنسان موجودة في نفسه مكبوتة في داخله حتى يحل ما يثيرها ويوقظها من سباتها كنزوة الغضب مثلاً· فكل ما يثير الإنسان يدفعه إلى التصرف أحياناً بردة فعل تبدو قوية مدمرة أو خفيفة مهدئة· وهنا تبرز قوة الإرادة لدى الإنسان والتي أشار إليها الشرع الحنيف لمساعدة الإنسان على السيطرة على نفسه حيث جاء في الذكر الحكيم: \"ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها \" (الشمس 7 -10)· والذين يسيطرون على أنفسهم ويكظمون غيظهم هم القوم العالمون المحسنون: \" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين\" (آل عمران: 134) فالإنسان بما أوتي من ملكات وإرادة حرة يستطيع أن يزكي نفسه ويدسي روحه· ومتى استطاع الإنسان السيطرة على نفسه يكون قد أفلح ونجح· وإذا عجز عن ذلك يكون قد فشل وسقط، فالإسلام لم يستأصل أصل الغرائز بل هذبها ووجهها نحو سعادة الإنسان وخدمته·

 

ثانياً: حارب الشرع الإسلامي العصبية بدليل قوله - تعالى -: \"لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير\" (الممتحنة 3) والحديث الشريف: \"ليس منا من دعا إلى عصبية\"· (صحيح البخاري) والعنصرية صفة أهل الجاهلية وأساس تفكيرهم وعقيدتهم وحياتهم· ولكن الإسلام أيد العصبية للحق والردع عن الظلم لأنه لولا وجود العصبية للحق والعدل والتصدي للظالم لما كان للدول وجود ولا للشرائع من قيمة· وهكذا دعا الإسلام إلى نصرة الحق ومحاربة الظلم وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً\"فإذا كان مظلوماً دافع عنه وإذا كان ظالماً نصره بإرشاده ونصحه وردعه·

 

ثالثاً: من المعروف أن الإسلام حارب الإغراق في الشهوات والانصراف إلى التهتك والفحشاء والمجون· فالشهوات مذمومة شرعاً إذا انصرف إليها الإنسان يشبع جسده حتى ينهكه ويشيع الفحشاء والرذيلة في المجتمع، إلا أنه في المقابل لا بد من تهذيب هذه الملكة الإنسانية الفطرية وتوجيهها لخير بناء المجتمع وعمارة الأرض فأقر الشرع الحنيف الشهوات لأنها من الطيبات وتوجيهها نحو وظيفتها الأساسية لتحقيق المصلحة الإنسانية: يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث (الأعراف: 134)·

 

فعلى الإنسان المؤمن أن يستثمر الغرائز الفطرية ويوجهها إلى غاياته وفقاً لأمرين: بالتشريع الملزم وبالملكات الإنسانية العليا من العقل والوجدان والإرادة· تلك هي فلسفة التشريع الإلهي القائمة على التوجيه

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply