بناء الأجيال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
إذا أردنا لجهودنا التعليمية أن تؤتي ثمارها المرجوة فإن علينا أن نركز على توضيح الأهداف التي تتوخى تحقيقها من وراء تشييد المؤسسات التعليمية المختلفة. ولعلي هنا أشير إشارات سريعة إلى أهم تلك الأهداف:

1 ـ ترسيخ الانتماء للإسلام وترسيخ الإيمان بمبادئه وأحكامه وآدابه العامة: وإذا كانت الأسرة مطالبة بتعميق حب الله ورسوله في نفوس أبنائها، فإن على المدارس والجامعات أن تفعل ذلك أيضًا، وتضيف إليه تعريف طلابها بخصائص الشريعة الإسلامية التي تمنحها التفرد والصلاحية لتوجيه الإنسان في كل زمان ومكان. ومن أهم تلك الخصائص شمول الشريعة لكل جوانب الحياة وعالميتها، وكونها خاتمة الرسالات السماوية. وكون نصوص الكتاب والسنة تشكل الإطار المرجعي لاجتهادات المجتهدين، إلى جانب ما اتسمت به الشريعة السمحة من المرونة والسعة والتخفيف والرحمة والتيسير ورفع الحرج وتقدير الظروف الخاصة .

2 ـ مساعدة الطالب على فهم ذاته، وفهم الخطوط العريضة التي تتحكم في تصرفاته: وهذه قضية مهمة، حيث أن فهم الذات هو أحد الجوانب الصعبة والمعقدة في التعلم. إن الطلاب يأتون إلى المدارس من أسر تحكمها مفاهيم وعادات غير متطابقة، ولذا فإن كل واحد منهم يحتاج إلى نوع من الرعاية الخاصة، الطالب بحاجة إلى من يدله على مواهبه وإمكاناته، وإلى من يدله على العادات الفكرية والنفسية السيئة التي توجه سلوكه. كما أنه بحاجة إلى المرشد الناصح الذي يدله على كيفية الاستفادة من تلك الإمكانات والمواهب. وإلى من يدله على كيفية التخلص من تلك المشكلات. وخبر من يقوم بهذا المعلم الحصيف المؤهل والمهتم.

3 ـ تكوين المفاهيم والعادات التي تساعد الطالب على النجاح: والحقيقة أن ما يؤدي إلى تفوق الواحد من الناس عبارة عن شبكة معقدة من العوامل، ومن المهم هنا أن نحاول إفهام الطالب أنه لا يشترط لتفوق الطالب أن يحظى بنشأة في أسرة متعلمة أو غنية، أو يدرس في جامعة راقية، أو يكون متمتعًا بقدرات عقلية عالية. ومع أنا لا نختلف أن هذه الأمور تساعد كثيرًا من الناس على التفوق، لكن يظل العامل الحاسم في التفوق هو امتلاك الطالب أكبر قدر ممكن من المفاهيم والعادات التي تساعده على النجاح ، والتي من أهمها:

طلب المعونة من الله ـ تعالى : والالتجاء إليه والثقة به ، إلى جانب المحافظة على الاستفادة من الوقت ، والمصابرة، والتركيز في العمل، وتحديد الأهداف والإيجابية.

4 ـ الارتقاء بالمستوى العقلي والفكري لدى الطالب: ومن المؤسف أن معظم جامعاتنا ومدارسنا خالية من أي مادة تعلم الطالب قواعد التفكير القويم، وتدله على عيوب التفكير ونقائصه! الخطوة الأولى على طريق بلوغ هذا الهدف تتمثل في تنقية أذهان الطلاب من أخطاء التفكير، مثل التحيز والتعصب والمبالغة والخضوع للعاطفة ورؤية الأشياء من زاوية واحة . وما شابه ذلك، وبعد ذلك فإن المدارس والجامعات مطالبة بالكثير من الأشياء والتي من أهمها تشويه الملاحظة لدى الطالب، وتقوية إدراك العلاقة بين الأشياء، بالإضافة على تدريب، على النطق اللغوي الدقيق وتدريبه على اكتشاف الحلول والطرق البديلة لما هو سائد الآن، ولن يكون الطالب مبدعًا إلا إذا وفرت له المدارس قدرًا حسنًا من الحرية والأمن النفسي.

5 ـ تزكية الجانب المعرفي في شخصية الطالب: والحقيقة أن علينا أن نعترف أن البيوت والمؤسسات التعليمية قد أخفقت إخفاقًا مريعًا في إرساء تقاليد ثقافية تمجد الكتاب والقراءة، وترعى حب الاستطلاع لدى الطفل وتحميه، وهنا لا يحتاج إلى برهان، فمتوسط القراءة اليومي لدى الإنسان العربي لا يزيد على عشر متوسط القراءة اليومي لدى الإنسان في الدول المتقدمة. المدارس مطالبة بأن نغني مكتباتها بكتب الأطفال وكتب الخيال العلمي خاصة، كما أن عليها أن تشجع على المطالعة الحرة والإضافية من خلال إجراء المسابقات، وتقديم المكافآت، ومن خلال توسيع مفهوم الواجبات المنزلية.

إن طلابنا بحاجة إلى من يضع أقدامهم على بداية طريق حب العلم وإيثاره والتضحية من أجله، إننا إذا لقنّا الطالب بعض المعلومات نكون كمن أمن له غداء يوم، وإذا زرعنا فيه (حب الاطلاع) ودربناه على الطريقة الصحيحة في القراءة ، فإننا نكون كمن علمّه صيد السمك ليؤمن لنفسه غداء كل يوم .

والله ولي التوفيق 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply