وما قدروا الله حق قدره


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي الغالية....أهلا وسهلا بك

بعد أن قطعنا تلك الرحلة الرهيبة في دار القرار، فقد قطعنا الآن ثلث المسافة إلى محطة الخوف من الله - تعالى -، ونشرع الآن وإياك في قطع الثلث الثاني عبر وقفتنا الثانية، والتي نقفها هذه المرة مع عظمة الخالق الجليل - سبحانه -.

 

ووالله إنها لوقفة أشد رهبة وإجلالاً من سابقتها فتعالِ معنا أختي وافتحي عين قلبك لتعرفي ربك، لتعرفي سر قول الملائكة الكرام، الذين هم سجود منذ خلقهم الله - تعالى -إلى أن تقوم الساعة، حينما يرفعون رؤوسهم بإذن ربهم، ثم يقولون... سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك

 

من هو الله؟؟؟

لا شيء أعظم من الله، ولا حديث أحسن من الحديث عنه، فذكره دواء، وكتابه شفاء، واتباع أمره نجاء.

 

فالله - تعالى -هو العظيم المتفرج بالصفات العلى والأسماء الحسنى، كمل فيها وعظم، فما من صفة عظيمة إلا وهي فيه أتم شيء: \"ليس كمثله شئ وهو السميع العليم\" (الشورى: 11)

 

وكما قال أعظم الخلق - صلى الله عليه وسلم - \" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك \"

وكيف نحصي خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق، وكل مدح وحمد وكل ثناء، وكل مجد وكل جلال، وكل عز، وكل جمال، وكل خير وإحسان، وجود وفضل وبر، فاه ومنه.

 

 فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أنزلت الكتب وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء

فهو العليم أحاط علماً بالذي*** في الكون من صر ومن إعلان

وهو العليم بما يوسوس عبده *** في نفسه من غير نطق لسان

بل يستوي في علمه الداني  *** مع القاصي وذو الإسرار و الإعلان

فهو العليم بما يكون غداً وما*** قد كان و المعلوم في ذا الآن

 

وتعالِ بنا الآن... أختي.. لنلج باب كتاب الله - جل وعلا -، نتعرف من خلاله على بعض صفات التي وصف بها العظيم - سبحانه - نفسه ومن خلالها تتضح لكل ذي عينين هدى عظمة هذا الخالق الجليل - سبحانه وتعالى -.

أولاً: صفات العلم والإحاطة

العليم

فالله - تعالى -عليم بكل شئ لم يسبق معرفته نسيان، وهو - سبحانه وتعالى - العليم، وعلمه هو العلم الكامل الذي لم يسبع بجهل، ولم يلحقه نسيان، فعلم الله - تعالى -محيط بالأمس واليوم والغد، بالظاهر و الباطن، بالدنيا والآخرة.

 

قد يعرف الإنسان شيئا عن حاضره، وقد يذكر طرفاً من ماضيه وما وراء ذلك ولكن الواحد منا جاهل بمستقبله، لا يعلم ما يغيب له بعد دقيقة أو ثانية، لكن الله وحده يحصي أعمالنا الماضية ساعة ساعة، ويسجل أحوال العالم الغابر دولة دولة، وحادثة حادثة، قال - تعالى -:

\" قال فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في كتب لا يضل ولا ينسى \"(طه: 51- 52)

 إنه علم يشرق على كل شيء؟ فيجلي بواطنه وخوافيه، ويكشف بداياته ونهاياته، فالغيب والشهادة لديه سواء والقريب والبعيد، والقاصي والداني لديه سواء.

 

\"إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه \" (فصلت: 47)

 يعلم عدد ما في صحاري الأرض من ذرات الرمال، وما في بحار الدنيا من قطرات المياه، وما في الأشجار من أوراق، وما في الأغصان من ثمار، وما في السنابل من حبوب، وما في الجبال من صخور، وما في الصخور من ذرات، وما في رؤوس البشر وجلودهم من شعر.

 

أرواحنا هذه التي في أقفاص صدورنا؟ نحن لا نعلم عن كنهها شيئا، فلا يعلم كنهها إلا الذي خلقها \" ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا \"

(الإسراء: 85)

فالله - تعالى -هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان، والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

 

السميع

 قال الله - تعالى -\" من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا\" (النساء: 134)

كثيراً ما يقرن الله - تعالى -بين صفة السمع والبصر، فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة والباطنة، فالسميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات.

فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات، يسمعها، سرها وعلنها، ولا يختلط عليه الأصوات، ولا تخفى عليه جميع اللغات، والقريب منها و البعيد، والسر والعلانية عنده سواء.

\"سوآء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار \"(الرعد: 10)

\" قد سمع الله قول التي تجدلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير \" (المجادلة: 1)

قالت عائشة - رضي الله عنها -: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: \"قد سمع الله قول التي تجدلك في زوجها\"

وسمعه- تبارك وتعالى -نوعان:

أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية وإحاطته التامة بها.

الثاني: سمع الإجابة منه، للسائلين، والداعين، والعابدين، فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قوله - تعالى -\"إن ربي لسميع الدعاء\" (إبراهيم: 39)

وقول المصلي: (سمع الله لمن حمده)، أي: استجاب

 

البصير

الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات حتى أخفى ما يكون فيها، فيرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة.

 

ويرى سريان الماء في أغصان الأشجار وعروقها، وجميع النباتات على اختلاف أنواعها، وصغرها ودقتها، ويرى نياط عروق النملة، والنحلة، والبعوضة، وأصغر من ذلك.

 

فسبحان من تحيرت العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته ولطفه وخبرته بالغيب والشهادة، والحاضر والغائب، ويرى خيانات الأعين، وتقلبات الأجفان، وحركات الجنان، قال - تعالى -\" الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين * إنه هو السميع العليم \"

(الشعراء: 2180- 220)

\" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور \" (غافر: 19)

\" والله على كل شيء شهيد \" (المجادلة)

 

أي: مطلع، ومحيط علمه، وبصره، وسمعه، بجميع الكائنات.

يا من يرى مد البعوض جناحها***في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى مناط عروقها في نحرها ***والمخ من تلك العظام النحل

ويرى خديد الدم في أوراجها*** متنقلا من مفصل في مفصل

ثانيا: صفات القوة والقدرة

العزيز. القدير. القادر. المقتدر. القوي. المتين

هذه الأسماء العظيمة تحمل معان متقاربة، فهو - تعالى -كامل القوة، عظيم القدرة، شامل العزة.

قال - تعالى - \" إن العزة لله جميعا \" (يونس: 65)

قال - تعالى - \" إن ربك هو القوي العزيز\" (هود: 66)

فمعاني العزة الثلاثة كلها كاملة لله العظيم:

 (1) عزة القوة

الدال عليها من أسمائه: القوي، المتين، وهي وصفة العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات، وإن عظمت.

قال - تعالى -\" ‘ن الله هو الرزاق ذو القوة المتين \" (الذاريات: 58)

وقال - تعالى -\" والله قدير والله غفور رحيم \" (الممتحنه: 7)

وقال جل جلاله \" إن المتقين في جنت و نهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر \"

(القمر: 54-55)

 

(2) عزة الامتناع

فإنه هو الغني بذاته؟ فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضار النافع، المعطي المانع.

 

(3) عزة القهر والغلبة لكل الكائنات

 فهي كلها مقهورة لله، خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك، ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به.

ومن آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة، فإذا أنزل عليها الماء، اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج.

ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبين، والكفار الظالمين من أنواع العقوبات، وحلول المثلات، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم فإن هذه القوى الهائلة، والمخترعات الباهرة، التي وصلا إليها مقدرة هذه الأمم، هي من ‘أقدار الله لهم، وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه.

ومن آثار قدرته: ما ذكره - تعالى -في كتابه من نصرة أولياءه على قلة عددهم على أعدائهم، الذين فاقوهم بكثرة العدد والعدة، قال - تعالى -\" وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين\"

فبقدرته أوجد الموجودات؟ وبقدرته دبرها، وبقدرته سواها وأحكمها، وبقدرته يحي ويميت، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على من يشاء، الذي إذا أراد شيئاً، قال له: كن، فيكون.

قال الله - تعالى -\"أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير\" (البقرة: 148). 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply