دمعة بحاء !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، لم يكتب هذا الحرفَ الخشنَ، إلا مضمضةً لفؤاده، وإنعاشًا لكبده...فعذرا!

 

الإهداء

إلى الصّدوح: ألبسك الله تاج القوة والجَذَل، وقلائد النفائس والمواهب!

وأعادك شريفا سابغ الإيمان إلى مصحفك ومحرابك!

ورحمَ الله من سمعَ فأمّن!

 

يقول مُحبه وخليله:

خُلقت نفسي ألوفا له، لصيقةً به، شَغل ديناي وملأها، وأسعد روحي وسرّها

كانت كل ساعاته ربيعا بهيَّ الزهر، رخيَّ النَّسمة، له نفس كالسماء لا ترضى إلا أن تكون سقفا للكائنات.

شحيحٌ بوقته حريصٌ عليه، جمع القرآن في فجر شبابه وهو دون العشرين، وأمّ المصلين وهو ابن المرحلة المتوسطة، وتفقه على مذهب أحمد، فكان آية في الحفظ آية في الإتقان!

يُمرّ بصره على الأوجه الحَفيلة، فيستظهرها لا يخرم منها حرفا! لا تكاد عينك تبصره إلا عاكفا يقرأ، أو منتصبا يصلي.

دُهش منه العلماء والعامة! فكبرت نفوسٌ بحبه، كما صغرت نفوسٌ ببغضه!

وكم تمسحتِ الدّنيا الراغمة على أعتابه، فلم يَحفل بها، أوهبها أهلها، أم تقاتلوا عليها!

***

 

صوته بكلام الله المقدس، مصفاة للأرواح، كأنه جدول نَمير متدفق، تَغتسل منه النفوس المَقروحة، فتندمل وتطمئن، وتَفقه سر وجودها، فترتفع إلى مرتبتها السّمية، فيَسفُل بَشِيعها ويعلو جَمِيلها!

 

لذا أوتيَ ذهنا رَجِيحا صَليبا، فكنتُ أستضيء بعقله في بعض مُعضلات الوقت، التي أقفُ فيها على مفترق السِّكك، فلا تسكنُ جلجلة صدري حتى أبُثّها بين يديه، فأفضي له، وأركن إليه.

فلم يمنعه قلةُ أيامه في الدنيا، وميعةُ شبابه، وإقبالُ عمره، من تدبير رجل يكبره بسنوات!

فكنّا كسحابة نقية ظاهرها كباطنها!

***

 

حتى حزَبته حازِبة، تهاوت فيها صحته وتَنكّرت نُضرته، ويَبست زهرته، وعلته الأمراضُ، وأكثرتِ الاختلاف إليه!

فتزلزلت أرض بهجتنا، وتقلصت مساحة غبطتنا، وثارت في أوديتنا الرياح الدّوافن، وخَشُنت سماؤنا وتقتمت!

فذبلت زهوره الرّوحانية، وأقفرَ مدده النّوراني!

فأدار الرّأي في العلاج والتَطبب، ولا يعزبُ عني قوله: لولا أن هذا الوجع، حال بيني وبين ما أشتهي من القرآن، ما تطببتُ!!

***

 

فزار عددا من المستشفيات، وجالس عددا من الأطباء، وتجرّع عددا من الأدوية، فلم يفلح!

حتى أوجبَ عليه أحدهم جراحةً في الجهاز التنفسي، فحُددت وأُدخل الغرفة!

***

 

لما غُرس المشرط في جسده، وانتشر المخدر في دمه، امتلأت نفس الطبيب ومساعديه عجبا منه!

فلسانه سحّ آيات عظيمات، كأن أنهار الكوثر سُكبت في قلبه، تروي عروقه وشراينه!!

فتَندّت أرواحهم، وتقلبت في روض أُنف، لم تعبث به يدُ عابث!

***

 

عاد مشتاقا إلى محرابه!

لكن... !!!

تداعت عظامه وتصدعت... !

ونطقَ الذكر فانفجر جوفه دما وقيحا... !

واستلم المصحف، فتصّعدت نفسه وضاقت... !!

فعلم أن يده قصيرة كليلة، كطائر حُبس عن حريته، وكجسد رُمس عن وِدَاده!!

وعلم أن آلة الطّب صماء، فتصبر وتجلّد، وآمن بقضاء الله وحكمته.

فأشرقَ لي من هذا الحجابِ، أنّ المرضَ ليس غصنا من أغصان الموت، وثمرا من ثماره، كما كنت أحسب!!

بل بِذرة للحياة العليّة، لا تقف على ساقها إلا في حوض الضّعف و الفناء!

فنفسه الشريفة ترى الضَّحل بحرا زخّارا يُؤكل منه!

***

 

خلا محرابه وعَرَى، وانفضَّ مسجده من كل ذاكر وراكع، وتشتت جماعته!!

فكأنهم زهدوا بمن بعده!

وعافت نفوسهم خَلَفه!

وعرفوا عظم الهُوة التي تركها!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply