تأملات في قول الله - تعالى - : ( فلولا أنه كان من المسبحين .. )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في حكاية نبي الله يونس - عليه السلام - والتقام الحوت له بأمر الله عبرٌ وعظات، قال المفسرون: أَمَرَ اللَّه - تعالى - حُوتًا أَن يَلتَقِم يُونُس - عليه السلام - فَلَا يُهَشِّمُ لَهُ لَحمًا وَلَا يَكسِر لَهُ عَظمًا فَجَاءَ ذَلِكَ الحُوت وَأَلقَى يُونُس - عليه السلام - نَفسه فَالتَقَمَهُ الحُوت وَذَهَبَ بِهِ فَطَافَ بِهِ البِحَار كُلَّهَا.وَلَمَّا اِستَقَرَّ يُونُس فِي بَطن الحُوت حَسِبَ أَنَّهُ قَد مَاتَ ثُمَّ حَرَّكَ رَأسه وَرِجلَيهِ وَأَطرَافه فَإِذَا هُوَ حَيّ فَقَامَ فَصَلَّى فِي بَطن الحُوت وَكَانَ مِن جُملَة دُعَائِهِ يَا رَبّ اِتَّخَذت لَك مَسجِدًا فِي مَوضِع لَم يَبلُغهُ أَحَد مِن النَّاس وَاختَلَفُوا فِي مِقدَار مَا لَبِثَ فِي بَطن الحُوت فَقِيلَ ثَلَاثَة أَيَّام قَالَهُ قَتَادَة وَقِيلَ سَبعَة قَالَهُ جَعفَر الصَّادِق - رضي الله عنه - وَقِيلَ أَربَعِينَ يَومًا قَالَهُ أَبُو مَالِك وَقَالَ مُجَاهِد عَن الشَّعبِيّ: اِلتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّة وَاَللَّه - تعالى -أَعلَم بِمِقدَارِ ذَلِكَ. وقد نص الله - سبحانه وتعالى - على سبب نجاته وهو التسبيح. فقال - تعالى -\" فَلَولَا أَنَّهُ كَانَ مِن المُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطنه إِلَى يَوم يُبعَثُونَ \" (سورة الصافات) وفي هذا إشارةٌ لطيفة وتذكيرٌ لعباد الله أن يتنبهوا لأهمية الذكر والتسبيح على وجه الخصوص، فقد وصف الله يونسَ - عليه السلام - بأنه كان من المُسبِّحين، أي أنه كان كثير التسبيح قبل وقوعه في هذه الشدة العصيبة والكرب العظيم. ولأنه كان كثير التسبيح قبل وقوعه في الشدة، وكان لسانه يألفُ التسبيحَ فإنه بدأ دعاءه في بطن الحوت بالثناء على الله وتسبيحه فقال في دعوته المستجابة ما ذكره الله - تعالى - في موضعٍ, آخر من القرآن الكريم في قوله - تعالى - (... فَنَادَى فِي الظٌّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87] وهذه الدعوة من الدعوات المستجابة كما قال بذلك جمعٌ من أهل العلم، فقد استنبطوا من الآية التي بعدها أن من دعا بدعوة ذي النون يُستجاب له بإذن الله، فالآية التي بعدها هي قوله - تعالى -(فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِينَ) [الأنبياء: 88] ففي قوله - تعالى -(وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِينَ) وعدٌ من الله الذي لا يُخلف وعده بأنه كذلك يُنجي المؤمنينº قال بعض أهل العلم أي إذا دعوا بهذه الدعوة المستجابة.

 

وفي قصة ذي النون من الفوائد العظيمة ما يلي:

- تضمن دعاؤه التسبيح فكان سبباً لاستجابة دعائه، وفي ذلك إشارةٌ إلى أهمية التسبيح وعظيم أجره.

- وفي القصة إشاراتٌ إلى أهمية التعرف على الله في الرخاء ليعرفك في الشدة فإن يونس - عليه السلام - كان مُسبِّحا قبل وقوعه في الشدة.

- وفيها فائدة عظيمة في أن التسبيح يكون سبباً للنجاة من كرب الدنيا والآخرة، فهذه الكربة التي مرَّ بها نبي الله يونس كانت في الدنيا، ولم يكن له ناصرٌ ولا يمكنه الاتصال بأحد فهو في ظُلمات بطنِ حوتٍ, متحركٍ, في ظلمات لُجج البحر، انقطعت به الأسباب إلا من خالقه وممن يراه وهو في بطن الحوت ويسمع سره ونجواه. فلنحرص أيها الإخوة والأخوات على كثرة ذكر الله والتسبيح فإنه سببٌ للخير والنجاة. وإن قول(سبحان الله وبحمده) مئة مرة ورد في فضلها ترغيب نبوي كريم وهي لا تستغرق من أحدنا خمس دقائق. في موطأ مالك عن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) وقد ورد في فضل التسبيح أحاديث كثيرة منها ما ورد في صحيح البخاري: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده ) فلا نتكاسل أيها الإخوة والأخوات عن اكتساب حسناتٍ, عظيمة بأمرٍ, سهلٍ, بسيط ألا وهو تحريك اللسان بالتسبيح وذكر الله، أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحبه و يرضاه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply