أنت ... بين تكريم الله وإهانتك لنفسك


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

في كتاب الفنون: لقد عظم الله الحيوان لا سيما ابن آدم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه، فمن قدم حرمة نفسك على حرمته حتى أباحك أن تتوقى عن نفسك بذكره بما لا ينبغي له -سبحانه- لحقيق أن تعظم شعائره وتوقر أوامره وزواجره، وعصم عرضك بإيجاب الحد بقذفك وعصم مالك بقطع يد مسلم في سرقته، وأسقط شطر الصلاة في السفر لأجل مشقتك، وأقام مسح الخف مقام غسل الرجل إشفاقاً عليك من مشقة الخلع واللبس، وأباحك الميتة سد لرمقك وحفظاً لصحتك، وزجرك عن مضارك بحد عاجل ووعيد آجل، وخرق العوائد لأجلك، وأنزل الكتب إليك،

أيحسن لك مع هذا الإكرام أن يراك على ما نهاك منهمكاً، ولما أمرك تاركاً، وعلى ما زجرك مرتكباً، وعن داعيه معرضاً، ولداعي عدوه فيك مطيعاً، يعظمك وهو هو، وتهمل أمره وأنت أنت، هو حط رتبة عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجدها لأبيك، هل عاديت خادمـاً طالت خدمته لك لترك صلاة، هل نفيته من دارك للإخلال بفرض أو لارتكاب نهي فإن لم تعترف اعتراف العبد للموالى، فلا أقل أن تقتضي نفسك إلى الحق -سبحانه- اقتضاء المساوي المكافي، ما أفحش ما تلاعب الشيطان  بالإنسان، بيناً هو بحضرة الحق -سبحانه- وملائكة السماء سجود له، ترامى به الأحوال والجهات إلى أن يوجد ساجداً لصورة في حجر، أو لشجرة من الشجر، أو لشمس أو لقمر، أو لصورة ثور خار، أو لطائر صفر. ما أوحش زوال النعم، وتغير الأحوال، والحور بعد الكور، لا يليق بهذا الحي الكريم الفاضل على جميع الحيوانات أن يرى إلا عابداً الله في دار التكليف، أو مجاورا لله في دار الجزاء والتشريف، وما بين ذلك فهو واضع نفسه في غير موضعها. انتهى كلامه.

قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

يقول ابن القيم  -رحمه الله-: "من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب  عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب  بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه، وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب".

 تذكر قبل أن تعصي أن الله يراك، ويعلم ما تخفي وما تعلن: (أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ مَا يَكُونُ مِن نَجوَى ثَلَاثَةٍ, إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم وَلَا خَمسَةٍ, إِلَّا هُوَ سَادِسُهُم وَلَا أَدنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُم أَينَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوم القِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ).

تذكر أن الملائكة  تحصي عليك جميع أقوالك وأعمال وتكتب ذلك في صحيفتك، قال الله -تعالى-: (مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلَّا لَدَيهِ رَقِيب عَتِيدٌ)..

تذكر قبل أن تعصي يوم تدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل و يعرق الناس، "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يُلجمه العرق إلجاما"..

تذكر قبل أن تعصي "يوم يحشر الناس حفاة عراه" قال -صلى الله عليه وسلم-: "يحشر الناس يوم القيامة  حفاةً عراةً غرلا" قالت عائشة: يا رسول الله!! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض" من هول يوم القيامة.

قال النبي  -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه. وعن علمه فيم فعل فيه؟).

فاستفد من وقتك فيما ينفعك قبل أن يأتي ملك الموت فتندم حين لا ينفع الندم. وقال الفضيل بن عياض: (من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply