الموت سنة الحياة


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كم في الموت من عظات وعبر..وكم فيه من معالم لو أدركها الإنسان وسبر أغوارها لاستقامت الحياة الإنسانية كلها، فلا حروب ولا فتن، ولا خصومات أو إحن، ولا مطامع ولا عدوان، ولا هيمنة ولا سلطان، ولا اغترار بسلطة، أو تقلد لمنصب..لا استبداد ولا طغيان ولا صلف ولا غرور، ولا بطش ولا إرهاب!!

 

لكنه الإنسان ذلك المخلوق الضعيف العجول الذي ما شام بارقة تلوح في الأفق البعيد، إلا طار وراءها يسابق الريح، ويتعجل الكسب والحيازة، ويلفه الإنسان الحقيقي الحقير الكامن في ذاته، ويصور له الدنيا وكأنها ما خلقت إلا له وحده لا لأحد سواه!! وعندها يبدأ الطغيان (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) وتبدأ عملية التغيير الكيميائي تعمل عملها وتفعل في ذات ذلك الإنسان الأعاجيب!!

 

كم فيك أيها الموت الذي لا مفر منك من دروس!! بعض الناس يأتون إلى الحياة ثم تصيبهم غائلة الموت ولا يحس بها أحد، وآخرون حين تبدأ أولى صرخاتهم وهم يستقبلون الحياة لحظة التماسهم بها تطل عليهم من بعيد أعين لا تستطيع الوصول إلى مهادهم ويسمع عنهم سمع الزمان وكأنهم وجدوا فيه منذ آلاف السنين، ويظلون هكدا ملء السمع والبصر والفؤاد وهم يدبون بين حنايا الزمن دبيبا حتي إذا حانت لحظة التمرد علي الحياة والزمن تفلتوا من بين يديهما في عنفوان طاغ وشراسة لم يكن لها من قبل من ظلال.

 

يأتي هؤلاء إلى الحياة وبرغم كل شيء يمرقون منها كما يمرق السهم من الرمية وقد يحملون معهم أوضاراً من حقوق الإنسان كانوا قد حملوا أوزارها وأثقالها دون أن يدركوها إلا لحظة الفراقº وقد التفت الساق بالساق وقبل ذلك حين تبلغ الروح الحلقوم وكلهم حينئذ ينظرون حين يكون جل الله في ملكوته اقرب إليه منهم ولكن لا يشعرون.

 

إنها سنة الحياة المتجددة التي لا تنقطع ولا تزول هي من لدن عليم خبير «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا».

 

كم فيك أيها الموت يا عبرة العبر من دروس وعبر لبني البشر تنبيء إنسان الدنيا أنه مهما سما فهو إلى منحدر، وأنه مهما طغى وتجبر فالله من فوقه أعلى وأكبر وأنه لو كان في الدنيا كبير فالله من الكبير أكبر.

 

ذرات من الهباء المتناثر فوق الأديم تسبح دون أن تراها العين المجردة هي رمز حقيقة لهذا الكائن المسمى بالإنسان لكنه وبرغم كل ذلك لا تسعه الأرض بجبالها وأنهارها وساحاتها وأنه يود لو أن مقاليد كل شيء عليها قد أسلست قيادها إليه وصارت طوع بنانهº إنه لا يقبل إلا أن يكون عرض الحياة الدنيا كله ملك يديه والمال عنده لا تشبع منه العين ناهيك عن الخزائن، لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى الثالث والحكم والسطوة والجبروت والكبرياء «ويا دنيا ما فيك إلا أنا» تسد أمامه مداخل نعماء الله التي لا تحصىº وفي قمة القمم منها نعمة الحياة والعافية وكفى بهما من الله فضلاً ومنة ونعمة.

 

أيها الإنسان حقاً إنك لظلوم كفار، وحقاً إنك تنسى بأنك طينة وأنك من حمأ مسنون، وأنك ميت وأنا جميعا ميتون، فمتي أيها الإنسان تأخذ من الموت عبرة ومن حياتك المحدودة الأجل لحياة سرمدية دائمة؟؟ متى؟!! يا غافل يا مغرور؟؟!!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply