وعجلت إليك رب لترضى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن لكل إنسان هدفاً محدداً في هذه الحياة، فقد يكون الهدف جمع الأموال، وأن يكون ثرياً يشار إليه بالبنان، ومنهم من يكون همه وهدفه السعي وراء نيل الشهرة والفوز بأحلى الألقاب وهكذا..فإن الأهداف تتفاوت من شخص لآخر، ولكن من هو صاحب الهدف الذي يسمو به إلى المعالي، ويحظى من خلاله بالربح الحقيقي والسعادة الدائمة والخير العظيم في الدنيا والآخرة؟ فإن من يعتقد أن السعادة تكون بجمع الأموال والشهرة، وهو بعيد عن ربه - جل وعلا -، فقد توهم أمراً نسجه له إبليس من خياله، وجعله يعيش في وهم لا حقيقة له، ولكن صاحب الهدف السامي هو الذي لم يحمل في قلبه إلا هماً واحداً، وهدفاً جليلاً ألا وهو رضى الله تبارك وتعالى، فمن كان ربه راضياً عنه فماذا يخسر؟

 

ومن كان ربه ساخطاً عليه فماذا يربح بعد هذه الخسارة الفادحة؟ ولو كان يملك مال العالم بأسره، فإنك تجد المرء يكد ليلاً ونهاراً في عمله لينال رضى صاحب العمل، والزوج يسعى في طلب رزقه رضا لزوجته، والأبناء يدرسون ويسهرون الليالي لكي ينالوا العلامات والدرجات التي ترضي الوالدين أو من حولهم، وهذا لا بأس به، ولكن أين من كد واجتهد في طاعة الله - تعالى -وأداها على وجهها الصحيح لينال رضى الله - عز وجل -، فإن الله - تعالى -إذا رضى عن عبده أعطاه أهدافه وحققها له في الدنيا والآخرة، فالرضى صفة عظيمة من صفات الله - تبارك وتعالى - الثابتة في الكتاب والسنة، قال - تعالى -: (رضي الله عنهم ورضوا عنه)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها\" -رواه مسلم-.

 

فإذا ثبتت صفة الرضا كما أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ولا نقول كما قال أهل التعطيل بأن المراد بالرضى هو الثواب، وهذا مخالف لنصوص الكتاب والسنة، فإن الرضى هي صفة فعلية حقيقية تليق بالله - جل وعلا - يرضى متى شاء على من يشاء من عباده، وللحصول على رضى الله - تعالى -فلابد للمرء أن يبحث عن الأعمال المؤدية له، وهي ولله الحمد واضحة جلية، فإنك إذا أردت أن تنال الرضى ما عليك إلا اتباع أوامر الله - تعالى -واجتناب نواهيه وإقامة حدوده، والإتيان بالعبادة كما ينبغي وعلى الوجه الذي يريده الله - عز وجل -، وأن تكون متعبداً لله بشرعه الذي شرعه، أي أن تكون متبعاً لا مبتدعاً، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فإنك تجد الكثير ممن يقوم بالعبادة وهي في الأصل محببة إلى الله، ولكن يبقى أمر آخر، وهو مهم جداً وقد نغفل عنه بعض الأحيان، وهو هل رضي الله - تعالى -عن هذا العمل؟ فمثلاً الصلاة عبادة عظيمة، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهي محببة إلى الله، ولكن يبقى الرضى عن أدائك لهذه الصلاة، هل أتممت شروطها وأركانها وواجباتها؟

 

هل خشع قلبك فيها أم كانت نقراً كنقر الغراب، القلب في واد والجسد في واد آخر؟! وعلى هذا فقس كل عبادة تقوم بها، إذاً لكي ننال رضى الله - تعالى -لابد أن نجاهد أنفسنا حتى نحظى بهذه المرتبة العالية، ونكون ممن أخبر الله- تبارك وتعالى -عنهم بقوله: -رضي الله عنهم ورضوا عنه- فإذا من اليوم قبل أن تغمض عينيك لتنام قف مع نفسك قليلاً واسألها هل سأنام وربي راضٍ, عني أم ساخط علي؟ حاسب نفسك.. هل أديت حقوق الله - تعالى -عليك؟ هل وقعت اليوم بعرض أحد من أعراض المسلمين؟ هل سأنام وأنا مقصر في حق والدي؟ فاسأل نفسك هل أديت حقوق زوجك وأولادك وجيرانك، فحاسب نفسك ولتنظر ماذا قدمت لغد، فمن أراد الرضى فعليه بالمبادرة، وليكن جاداً صادقاً في طلبه لينال تحقيقه بإذن الله تبارك وتعالى.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply