عمرك كيف انقضى !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

- في بدايات الحياة.. يظن أحدنا أنه يقضي وقته كيف شاء.. أعني يكون أحدنا هو المتحكم بحياته.. بوقته.. بنشاطاته.. ومع مرور العمر.. وازدحام المسؤوليات.. وبتدرج شديد.. يصبح للحياة رتم.. معين.. فتصبح الحياة هي التي تسير وقف هذا السياق.. ويعجز الإنسان أن يغير شيئاً منها.. ولذلك تنقضي الحياة -لمن يستسلم لها - بطريقة ربما لا تتفق وما يريد..

 

- هل تعني أن المرء يصبح مسيراً لا مخيراً؟

 كنت وصاحبي في نقاش ابتدأناه لأننا لم نجد شيئاً آخر نتحدث عنه!!

 - المرء هو الذي يسير نفسه.. فيدخل نفسه دوامات.. دوامة العمل.. دوامة الأصدقاء.. دوامة الأهل.. وتدور هذه الدوامات بصاحبها.. فتجده لا وقت لديه لأمور جديدة.. وهذه تزداد قوة مع مرور الوقت.. حتى يشعر بعد سنين أنه لا يستطيع تغييرها.. بل ربما لا يريد تغييرها لأنه اعتاد عليها وارتاح فيها.. فلا داعي للتغيير وإحداث اضطرابات.. ولكن ليس هذا هو المهم.. المهم.. هل هذه الدوامات.. تقرب الإنسان من الله؟ أم أنها تبعده عن الله؟.. أم أنها لا تقربه ولا تبعده؟! هذا هو السؤال.. وذلك بمجرد انقضاء الأجل.. وحدوث المنية.. يشعر المرء بأهمية الوقت.. بقيمة الحياة التي انقضت.. فإن كان في طاعة.. تمنى أنه ازداد منها.. وإن لم تكن في شيء.. ندم عليها.. وإن كانت في معصية.. مات حسرة عليها..

 كان صاحبي يستمع.. ويقدم لنا الشاي والمرفقات.. تابعت حديثي..

 - مثلاً.. عندما أسمع أو أقرأ نبأ وفاة أحد الممثلين.. يذكرون أول فيلم قام بتمثيله.. أو قامت بتمثيله.. وعدد الأفلام التي مثلها وآخر دور قام به.. بمعنى.. أن هذا الإنسان انقضت حياته.. بين كاميرات التصوير.. وسيناريوهات الأفلام.. ودور السينما.. وكذلك عندما أسمع عن وفاة مغن.. أو مقدم برامج.. يذكرون برامجه.. حياته.. أول شيء وآخر نشاط.. وهذا.. أو ذاك.. ماذا أخذ من حياته؟! بعد ثمانين سنة عاشها.. هل خرج بشيء؟! هل استثمر شيئاً دائماً يبقى معه؟!

 

أعني.. بكل بساطة.. وبحسبة مادية بحتة.. هل من العقل أن يعيش المرء ثمانين سنة.. ويخرج من الدنيا.. بدون شيء؟! كل ما فعل للدنيا سيبقى في الدنيا.. الأفلام.. التمثيليات.. الأغاني.. الشهرة في الملاعب الأموال الطائلة.. كله سيبقى في الدنيا.. يذكره الناس بها.. ولكن لا شيء معه في القبر.. وربما.. كان هذا الذي تركه.. وبالاً عليه في قبره.. هؤلاء كانوا في الدنيا.. يقولون.. -لا وقت لدينا نضيعه-.. لانشغالهم الشديد في التجارة.. أو الحفلات.. أو الأفلام.. أيا كانت.. ولكنهم في الواقع ضيعوا الوقت كله.. وأضاعوا الحياة كلها..

 - وهل هذا الشعور عند الحساب أو في القبر.. أو متى؟!

 - هذا الشعور ملازم.. للإنسان منذ لحظة وفاته.. وإلى مآله الأخير.. لحظة موته يشعر أن الحياة كانت حلماً استيقظ منه.. في القبر يتحسر على انشغاله عن طاعة الله.. ويطلب -رب ارجعون لعلي أعمل عملاً صالحاً فيما تركت-.. في الآخرة يقولون.. يا ويلنا على ما فرطنا في جنب الله.. وحتى في النار يقولون: -ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون-.. وكلها نداءات صادقة حقيقية.. في لحظتها.. ولكنهم لو عادوا لما غيروا شيئاً مما كانوا فيه..

 والعجيب في الأمر..أنه حتى أهل الجنة يندمون على لحظات..لا ساعات.. ولا أيام.. ولا شهور.. ولا سنوات.. بل على اللحظات التي قضوها في غير ذكر الله.. لما يرون من الخير الذي يناله من فعل ذلك!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply