محبطات الأعمال ( 3 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

أولاً: ترك الصلاة

ثانياً: المُفرِط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها

ثالثاً: من تكلم فيما لا يعنيه

رابعاً: الرياء

خامساً: العجب

سادساً: الجرأة على المعاصي في الخلوات

سابعاً: ظلم الناس والاعتداء عليهم قولاً وعملاً

 

أسباب حبوط العمل في الحديث النبوي

أولاً: ترك صلاة العصر

عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة، في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر فإن النبي –صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) (1).

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - من ترك صلاة العصر متعمداً فقد حبط عمله\"(2).

وعن َابنُ أَبِي شَيبَةَ مُرسَلًا: \" مَن تَرَكَ العَصرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمسُ مِن غَيرِ عُذرٍ, فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ\"

قال ابن حجر في الفتح:\" وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقاً:

- فمنهم من أَوَّل سبب الترك.

- ومنهم من أوَّل الحبط.

- ومنهم من أوَّل العمل.

أولاً: تأويل الترك: فقيل المراد من تركها جاحداً لوجوبها أو معترفاً لكن مستخفاً مستهزئاً بمن أقامها وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ولهذا أمر بالمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره.

ثانياً: تأويل الحبط: وقيل المراد من تركها متكاسلاً لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله وقيل معناه كاد أن يحبط.

ثالثاً: تأويل العمل: وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف على المشيئة فإن غفر له فمجرد الوقف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له.

وقد شرح الترمذي الحبط على قسمين:

القسم الأول: حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات.

القسم الثاني: وحبط موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلا أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته.

وقيل: المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع.

قال ابن حجر:\" وأقرب هذه التأويلات قول من قال: \"إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد والله أعلم\".

 

لماذا خصَّ صلاة العصر؟

قال النووي:\" وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم\".

و قال ابن تيمية- رحمه الله - في الفتاوى:\" وحبوط العمل لا يتوعد به إلا على ما هو من أعظم الكبائر، وكذلك تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها:

- فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها.

- وهى التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها، فمن حافظ عليها، فله الأجر مرتين.

- وهى التي لما فاتت سليمان- رضي الله عنه - فعل بالخيل ما فعل.

وفى الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: [من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتِرَ أهله وماله]. والموتور أهله وماله يبقى مسلوبًا ليس له ما ينتفع به من الأهل والمال، وهو بمنزلة الذي حبط عمله\".

 

ثانياً: المُفرِط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها

عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه -:أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر، فقال: \"إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض\". ثم ذكر زهرة الدنيا، فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، قلنا: يوحى إليه، وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء، فقال: (أين السائل آنفا، أو خير هو - ثلاثا - إن الخير لا يأتي إلا بالخير، وإنه كل ما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم(3)، إلا آكلة الخضر(4) كلما أكلت، حتى امتلئت خاصرتاها(5)، استقبلت الشمس، فثلطت (6)وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين، ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة). (7).

قال ابن حجر في الفتح(8):

قال الأزهري: وفيه مثلان:

أحدهما: للمفرط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها: أي الذي يُقتل حبطاً.

والثاني: المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها: وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها.

وقال الزين بن المنير:

آكلة الخضر: هي بهيمة الأنعام التي ألف المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره.

والخضر النبات الأخضر وقيل حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر.

وقال الطيبي: يؤخذ منه أربعة أصناف:

- فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك.

- ومن أكل كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه.

- ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم.

- ومن أكل غير مفرط ولا منهمك وإنما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه.

- فالأول مثال: الكافر.

- والثاني مثال: العاصي الغافل عن الإقلاع والتوبة إلا عند فوتها.

- والثالث مثال: للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة.

- والرابع مثال: الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة.

وقال الزين بن المنير في هذا الحديث: وجوه من التشبيهات بديعة:

- أولها: تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره.

- ثانيها: تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب.

- وثالثها: تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه.

- و رابعها: تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعاً.

- وخامسها: تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها.

- وسادسها: تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها.

- وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه.

- وثامنها: تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع.

وقال الغزالي: مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي فقد لقى البلاء المهلك.

و من فوائد الحديث:

- جلوس الإمام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها.

- وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا.

- وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة.

- وفيه تسمية المال خيراً ويؤيده قوله - تعالى -: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيرِ لَشَدِيدٌ}[ العاديات:8] وقوله - تعالى -: {إِن تَرَكَ خَيرًا الوَصِيَّةُ } [البقرة:180].

- وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يُستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام.

- ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل.

- وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي \"وإن جبينه ليتفصد عرقا\".

- وفيه تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر.

- وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل.

- وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع.

- وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه وأن اكتساب المال من غير حله وكذا إمساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك.

- و قال النووي:\" قوله-صلى الله عليه وسلم-: \"أين السائل\" بمعنى: \" إن هذا هو السائل الممدوح الحاذق الفطن ولهذا قال وكأنه حمده\".

- قوله –صلى الله عليه وسلم -: \"وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم\" هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل فيه فضيلة المال لمن أخذه، بحقه وصرفه في وجوه الخير\".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply