كيف تربح العشر الأوائل من ذي الحجة ؟ ( 3 – 5 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عمل القلب مقدم على فعل الجوارح 

إلى مَن اشتاقت قلوبهم لخطوات على أرض النبوة ولم يستطيعوا، نذكِّرهُم وإن لم يُحُجٌّوا بواجباتِ مَن لم يَحُجّ:

بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى:

تفكَّر في إبراهيم - عليه السلام - وهو مهاجر إلى بيت المقدس، يقول لقومه الذين كذَّبُوه: وقال إني ذاهب إلى\" ربي سيهدين (99) (الصافات)، وفي بيت المقدس حيث يستقر يدعو ربه رب هب لي من الصالحين 100(الصافات).

فيرزقه الله بإسماعيل - عليه السلام -، الذي تقوم على حياته كلٌّ مناسك الحجº تسعى أمٌّه بين الصفا والمروة لتسقيه فتنبع بئر زمزم من تحت قدميه، ويرى أبوه في المنام أنه يذبحه فيستسلِمَان لأمر الله، فيفديه ربه بذبح عظيم:

وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم 127(البقرة).

ويختار الله إسماعيل وذريته في أرض المسجد الحرام، ويعطي راية التوحيد لأبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، الذين هم بنو إسرائيل، ويضيع المسجد الأقصى منهم أكثر من مرة بعد أن ضيَّعوا التوحيد وجعلوه هراءº بما أَلَّفُوه من كُتُبٍ, نسبوها إلى الوحي، وأبوا أن يستجيبوا لأيِّ نبي بعثه الله لهم، حتى يختم الله نبوتهم بثلاثة أنبياء، فقتلوا اثنين زكريا وابنه يحيى - عليهما السلام -، وحاولوا قتل الثالثº نبي الله عيسى - عليه السلام - وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم(النساء: 157).

وبعد أن أفسدوا في الأرض تلك المرة، وعلوا عُلُوّاً كبيرَا أرسل الله عليهم عباداً أُولِي بأس شديد، فجاسوا خلال الديار، وشَتَّتُوا بني إسرائيل في الأرض فأصبحوا لا كيان لهم.

وهنا يأذن الله - تعالى - لتلك الدعوة المباركة أن تنتقل إلى ابن إسماعيل ابن إبراهيم هناك في جزيرة العرب، بوادٍ, غير ذي زرع عند البيت المحرمº ليقوم خاتم الأنبياء محمد {معلناً في الناس ما طمسه بنو إسرائيل بتحريفهم: \"أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا\" (المستدرك على الصحيحين)، فيكذِّبه اليهود ويحاربونه، ويحاولون قتله برغم علمهم أنه نبي الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون 20(الأنعام).

ويتوجَّه النبي {في زيارة قصيرة إلى المسجد الأقصى في رحلة الإسراء والمعراجº حيث يعلن هناك في صلاته إماماً بالأنبياء أن المسجد مسجدنا، والحائط حائِطُنَا، والقبة قُبَّتُنَا، والأرض المباركة أرضنا، وأنه لا تفريط فيها: سبحان الذي أسرى\" بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير (1)(الإسراء).

وبعد سنوات قليلة تتدفق كتائب التوحيد لتحرر المسجد الأقصى من شراذم الرومان، ويتسلم مفتاحها عمر بن الخطاب} ويعلو فيها صوت التوحيد.

 

فأين كان اليهود يومئذ؟!

وبعد مئات السنين يعود الاحتلال الصليبي ليدنس المسجد الأقصى، فتنطلق كتائب التوحيد بقيادة صلاح الدين لتحرره من جديد.

فأين كان اليهود يومئذ؟!

واليوم هل يحتاج الواقع إلى مقال؟!

ولا يزال السؤال يُدَوِّي في آفاق الأمة عند كلِّ تلاوة لآيات الإسراء: مَن يُحَرِّرها للمرة الثالثة؟!

 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (6) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا (7) (الإسراء). ألا ترى يا أخي أن الله رَدَّ الكرة لبني إسرائيل مرة أخرى في هذا الزمان، وأمدَّهم بأموال وبنين، وجعلهم أكثر نفيراً؟! فهل أحسنوا؟!

إن الدماء الطاهرة على الجدران المهدمة، وعدد الشهداء الذي يقفز على العشرات يوميّاً. والرصاص المحرَّم، والدبَّابات، والطفل الخائف بين ذراعي أمه، كل هذا يعلن أنه قد جاء وعد الآخرة، وأنه قد آن الأوان لكتائب التوحيد أن تدخل المسجد كما دخلوه أول مرة.

 فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا (7)(الإسراء).

ألا ترى أن هذه الأيام العشر المباركة تحتاج إلى أن نذكر ونتذكر ونتفكر؟

 

رابعاً: العمل الصالح.

عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {: \"مَا مِن أَيَّامٍ, العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبٌّ إلى اللَّهِ مِن هَذِهِ الأَيَّامِ العَشرِ\". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ {: \"وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ فَلَم يَرجِع مِن ذَلِكَ بِشَيءٍ,\" رواه الترمذي

ولقد أقسم الله - تعالى -بها، فقال: والفجر (1) وليال عشر (2) (الفجر).

والعمل الصالح هنا مفتوحº ليقبل جميع الأعمال الصالحة من صلاة وصوم وذكر، وصدقة، وفعل للمعروف، وبِرٍّ, بالوالدين، وصلة رحم، وزيارة صديق.

ثم ألا ترى أن بجانب كلِّ ما سبق من الأعمال الصالحة أن عمل القلب مقدَّم على عمل الجوارح، وأن كل ما سبق أن تحدثنا عنه من نية وشوق وعزم، ومن ذكر وتذكٌّر وتفكٌّر، كلها من أعمال القلب الصالحة؟

إن الحجيج في هذه الأيام العشر في أعمال صالحة متدفقة متواليةº ألا ترى أن من واجبات من لم يحج أن يشاركهم كلَّ هذا العمل الصالح؟!

وللواجبات بقية إن شاء الله.. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply