إعلام الأمة بما يكشف الله به الغمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عـندما تتكاثر المصائب وتتابع المحن وتطول الغمـة يجـد المؤمن نفسـه أمام أسئلة عــدة: كيف نثبت في المصائب؟ كيف الســـبيل إلى الخروج من هذه المحـن؟ كيـف تكشـف هـذه الغمـة؟؟؟

ولقد أخذت أقلب في كتاب الله عز وجل وسـنة نبيـه - صلى الله عليه وسلم - وســيرة السـلف الصالح فوجدت الكثير من العوامل التي تعين على ذلك أذكـر أهمهـا: ـ

 

* استشعار معيـة الله:

قال - تعالى - {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة: 40] وقال - تعالى - {قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} [الشعراء: 62ـ63] قوله لأبي بكر: {لا تحزن إن الله معنا} أي دع الحزن فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا، ومن كان الله معه فلن يغلب، ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن..

 

قال ابن القيم - رحمه الله - في (مدراج السالكين جـ3/195) والمعية نوعان: ـ

- معية إحاطة وعلم: كقوله - تعالى -{وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} [الحديد: الآية 4]

- معية خاصة: كقوله - تعالى -{إن الله مع الصابرين} [البقرة: من الآية153] وتتضمن المولاة والنصر والحفظ.(ا.هـ).

 

ثم تأملوا أيها المؤمنون المصدقون بكتاب الله ماذا كانت نتيجة هذا العامل؟؟؟

كانت نتيجته كشف الله الغمـة ونصر الله عباده المؤمنين فبعد قوله - تعالى -{لا تحزن إن الله معنا} قال - عز وجل - {فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} وبعد قوله عزوجل {إن معي ربي سيهدين} قال {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين}

 

فعلينا أن نستشعر هذه المعية في كل وقت بصفة عامة و في وقت المحن بصفة خاصة وأن نرطب ألسنتنا بهذه الآية {إن الله معنا} معنا القاهر الذي لايقهر معنا الغالب الي لايغلب معنا الذي لايعلم جنوده إلا هو معنا الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون فإذا استشعرنا ذلك ورسخ في قلوبنا وأيقنت به أنفسنا فحق علينا أن نكون كما أمرنا الله في قوله {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} [محمد: 35]

 

* الاستعانة بالله والصبر الثقة في أن العاقبة للمتقين:

قال - تعالى -{بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}[آل عمران 126: 125]

خطاب الله للمؤمنين في كل زمان ومكان {إن تصبروا وتتقوا} ماذا يحدث؟؟ يأتيكم مدد الله الذي لاينفد {يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} ثم ماذا؟؟ على النفوس المؤمنة أن توحد اتجاهها فلاتطمع في نصرة الغرب ولا الشرق بل تتوجة لمن عنده النصر{وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في (الصفدية ج: 8 ص: 76): و كل عمل لا يعين الله العبد عليه فإنه لا يكون و لا ينفع فما لا يكون به لا يكون و ما لا يكون له لا ينفع و لا يدوم فلذلك أمر العبد أن يقول إياك نعبد و إياك نستعين والعبد له في المقدور حالان حال قبل القدر و حال بعده فعليه قبل المقـدور أن يستعين بالله و يتوكل عليه و يدعوه فإذا قدر المقدور بغير فعله فعليه أن يصبر عليه أو يرضى به و إن كان بفعله و هو نعمة حمد الله على ذلك و إن كان ذنبا استغفر إليه من ذلك وله في المأمور حالان حال قبل الفعل و هو العزم على الامتثال والاستعانة بالله على ذلك و حال بعد الفعل و هو الاستغفار من التقصير و شكر الله على ما أنعم به من الخير و قال - تعالى -{فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك} [غافر: من الآية 55]

 

أمره أن يصبر على المصائب المقدرة و يستغفر من الذنب و إن كان استغفار كل عبد بحسبه فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين و قال - تعالى -: {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [آل عمران: من الآية 186] و قال يوسف {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [يوسف: من الآية 90] فذكر الصبر على المصائب و التقوى بترك المعائب.

و قال النبي - صلى الله عليه وسلم - « إحرص على ما ينفعك و استعن بالله و لا تعجزن و إن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا و كذا و لكن قل قدر الله و ما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان » فأمره إذا أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر و لا يتحسر على الماضي بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه فالنظر إلى القدر عند المصائب و الاستغفار عند المعائب قال - تعالى -{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}

 

* الالتجاء إلى الله:

قال - تعالى -{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9]

وقال تعالى{ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله} [البقرة: 250ـ 251]

وقال - عز وجل - {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} [القمر: 10 ـ11]

إن هذه الآيات في غنى عن التعليق لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فانظروا رحمكم الله في التعقيب بعد كل آية من الآيات السابقة تجدون كشف الله للغمة وتفريجه للكربات ونصره لعباده {فاستجاب لكم}، {فهزموهم بإذن الله} {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر}

 

ثم املأوا نفوسكم بهذا الحديث العظيم قال - صلى الله عليه وسلم - « ليس شيء أكرم على الله - تعالى - من الدعاء (حسن: صحيح الجامع 5392. )

 

فتضرعوا يرحمكم الله إلى ربكم يكشف ما ألم بكم فهذه سيرة نبينا تنطق بذلك وما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر من دعاء وتضرع معلوم وهكذا كان الصحابة والتابعين والصالحين من علماء وولاة أمر على هذا الأمر جاء في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية (ج 1ص: 419) أن نور الدين - رحمه الله تعالى -لما التقى الجمعان أو قبيله انفرد تحت تل حارم و سجد لربه - عز وجل - و مرغ وجهه و تضرع و قال يا رب هؤلاء عبيدك و هم أولياؤك وهؤلاء عبيدك و هم أعداؤك فانصر أولياءك على أعدائك أيش فضول محمود في الوسط يشيرإلى أنك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر و بلغني أنه قال اللهم انصر دينك ولا تنصر محمودا من هو محمود.. وقال ابن القيم في (حادي الأرواح ص: 65): وقد جعل الله لكل مطلوب مفتاحا يفتح به، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب،..، ومفتاح العز طاعة الله ورسوله. (ا. هـ)

 

* الانتــقال من المعصيــة إلى الطاعــة:

{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} [الرعد: من الآية 11]: فهذه المعاصي التي انتشرت والمنكرات التي فشت هل تكون عاقبتها إلا الهزيمة؟ قال الطبري في تفسير (ج: 13 ص: 121) وقوله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يقول - تعالى -ذكره إن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره. (ا. هـ)

 

فالمعاصي تضعف العبد أمام عدوه بل وأمام نفسه، و من الدروس الغالية التي خرج بها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة أحد: وهي أن المعصية من أكبر عوامل الهزيمة، قال ابن القيم - رحمه الله - (زاد الميعاد جـ 3 ص: 196) فصل في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد: ـ فمنها: تعريفهم سوء عاقبة المعصية، والفشل، والتنازع، وأن الذي أصابهم إنما هو بشؤم ذلك، كما قال - تعالى -: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} [آل عمران: 152]

فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول، وتنازعهم، وفشلهم، كانوا بعد ذلك أشد حذرا ويقظة، وتحرزا من أسباب الخذلان..

 

* الاســتشــعار في أحلك اللحظات بقرب النـصر:

{ألا إن نصر الله قريب} [البقرة: من الآية 214] {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: من الآية47]

إن المؤمن الذي يستشعر معية الله الصابر الملتجــأ إلى ربه المســتغفر من ذنبه لابــد أن ترتفع معنوياته لأنـه على الحق وإن كان وحيدا و لأنه يعلم أن ظهور أهل الكفر وعلوهم في الأرض أنما هو مؤقت ولأن في الوهن والضعف زايادة في المصيبة نهى الله المؤمنين وحذرهم من الوهن والضعف فقال {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما} [النساء: 104]

ولقد كانت سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين من بعدهم خير مثال على ذلك.

فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - عند حفر الخندق يرفع معنويات أصحابه ويبشرهم: روى النسائي..

لما أمر النبي بحفر الخندق، عرضت لهم صخرة، حالت بينهم، وبين الحفر، فقام رسول الله وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق وقال: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}. فندر ثلث الحجر، وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله برقة، ثم ضرب الثانية وقال {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}. فندر الثلث الآخر، فبرقت برقة، فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة وقال: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}. فنذر الثلث الباقي، وخرج رسول الله، فأخذ رداءه وجلس.

قال سلمان يا رسول الله، رأيتك حين ضربت ما تضرب ضربة، إلا كانت معها برقة، قال له رسول الله: يا سلمان، رأيت ذلك؟

فقال: أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: فإني حين ضربت الضربة الأولى، رفعت لي مدائن كسرى وما حولها، ومدائن كثيرة، حتى رأيتها بعيني. قال له من حضرة من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم. فدعا رسول الله بدلك. ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها، حتى رأيتها بعيني. قالوا: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله بذلك. ثم ضربت الثالثة، فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى، حتى رأيتها بعيني. قال رسول الله عند ذلك: دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم (حسن ـ صحيح النسائي 2976)

فأي لحظات أشد من هذه اللحظات ولكن هكذا يعلمنا - صلى الله عليه وسلم -.

أسأل الله عزوجل أن يثبتنا على الحق وأن ينصرنا على القوم الكافرين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply