حياتك تصنعها بيديك ...


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسالة: ((..... أتمنى مساعدتكم.. ))..

الدروب التي سلكتها كانت طويلة وموغلة في الوحشة..

كل شئ كان يدخل في منفاه حتى أنا دخلت في المنفى وتهت في صحراءه..

الزمن الذي عشته كان زمنا حزينا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى..

الحزن كان السمة الغالبة على زمني وأيامي وعلاقاتي..

لا أعرف عن ماذا كنت أبحث؟؟..

كل ما أعرفه أنني دخلت في فلقي الأبدي ورحت أفكر بوجودي بحقيقتي بنسياني — بضياعي — لم تعد لي رغبة بمتابعة أي شئ فقدت الرغبة في الدراسة وكدت أمزق كل شئ وأركن إلى إخفاقي..

وحيدة أنا منذ اللحظة الأولى من31-12-1984 حتى هذه اللحظة وحيدة — وحيدة!!

أين أنتم يا من أتيتم بي إلى هذا الوجود: أمي.. أبي.. إخوتي.. أصحابي؟!!..

ولا شيء سوى دموعي التي أسدلها منديلا أضمد به جراحي.. ولدت في بيت كل ما فيه يشي بالكآبة والحزن والبؤس: الناس، والأصدقاء، والجدران، كل ذلك كان يحملني إلى حزني وقلقي وكآبتي.. لم أكن أعرف أي طريق سأسير عليه بأقدام حافية من الحلم..

هل أنا وحدي التي أوغل في جهلي؟!!.

لا أحد يدرك تفكيري، ولا أحد يمكنه الغوص في أعماق نفسي؟؟!!..

كنت أشعر دوما برغبة للانزواء والانطواء في غرفتي.. كل شئ في بيتنا كان يقف كالصخرة الصماء في وجهي.

منذ الابتدائية وحتى الجامعة، لم أتعود أسلوب التعارف على الآخرين.. إلا أنه في النهاية تحول إلى جزء من شخصيتي فأنا لم أعد أميل للاختلاط بأحد.. كنت أفضل أن أبقى وحيدة.. كنت أكتم كل ذلك في ذاتي، حتى أصبحت جمرة الكتمان بحجمي أنا.. فرحت احترق إلى أين أتوجه ولا جهة تسمع صوتي..

كان نفوري من كل شئ نتيجة ما أنا فيه، فكنت ما البث أن أعود للبيت حتى أدخل في زنزانتي الوحيدة..

أنا الآن كتلة إنسانية يتجاذبها اليأس، ولا تجد مستقرا تقف عنده، يلاحقني الشقاء والحزن، ولا أجد سبيلا للخلاص من ضرباته الموجعة..

أي زمن هذا الذي أنا فيه؟؟!..

يسلبني كل شئ سوى المرارة والأسى.. أكتب على صفحاته السوداء آلام أيامي وأنا وحيدة..

وكنت أتساءل دوما: هل أنا الوحيدة التي تتعثر بها الأيام لتقذف بها في فلوات لا نهاية لها؟؟..

لا أدري فقد أصبحت نفسي غرفة زجاجية تشف عن آلم لا نهاية له..

كنت أتأمل الآخرين وهم يضحكون، فأحسدهم، وأنا أبحث في نفسي عن بقايا ابتسامة..

أتمنى أن تكون فكرتي قد وصلت إليكم- فهل بإمكانكم مساعدتي؟. أتمنى ذلك.

 

الجــــــــــــــــــــواب: ....... (((00نعم يمكن مساعدتك00)))00000

في الإنسان قوتان راسختان تتجاذبان: الأمل.. واليأس.

للإنسان دور في بنائها ونمائها، وله قدرة على هدمها وتحطيمها.. ؟؟!!

بعض الأمل ينمو بطبيعته، دون جهد أو بحث.. تكون الظروف ملائمة، ينشأ الإنسان في بيئة ومجتمع وبيت، كله أمل ونظرة بيضاء مشرقة إلى الحياة، لا تشكو يأسا أو ملمة.. فيكتسب هذا الأمل والإشراق، فيعيش به، وهو في سرور، يظن العالم كله مشرقا.

وقد ينشأ في بيئة كلها يأس، فيصطبغ بها، فيظن العالم كله كذلك..

لن تقف الحياة عند هذه النظرة والشعور...

ففي قدرة المرء تحويل المر حلوا.. والصعب سهلا.. والتعب راحة.. والعذاب نعيما..

ذلك يكون بالقوة الكامنة في طبيعته البشرية، قوة الأمل..

في قدرته تنميتها في أسوأ الظروف والأحوال، والخروج بها من الأزمات سالما غانما..

فقط على الإنسان أن يفتش عن مواطن الأمل في نفسه:

الصحة التي يحظى بها موطن من مواطن الأمل..

العقل الذي كرم به.. من مواطن الأمل..

القلب الحي والشعور المرهف.. من مواطن الأمل..

الجوارح السليمة: من عين، وأذن، ولسان، ويد، وقدم.. من مواطن الأمل في نفس الإنسان..

من مواطن الأمل أن ينظر إلى من دونه، ولا ينظر إلى من فوقه.. فإن ذلك يطرد عنه السخط.. فمهما كان فليس هو الأسوأ.. ومهما كان فهو قادر أن يرتقي إلى الأحسن..

فكل أدوات النجاح والسلامة بين يديه، فقط عليه أن يتأمل ويحسن استخدامها..

 

ما الفرق بين اليائس وصاحب الأمل.. ؟..

الفرق أن صاحب الأمل عرف كيف يسخر أدوات النجاح التي بين يديه ليبني الأمل في نفسه، ويدفع اليأس.. بينما اليائس اكتفى بالنظر إليها، وربما عمي عنها..

ما دام المرء يملك عقلا يفكر به، ويدا يكتب بها، ويعطي بها، ويشد بها، ورجلا يمشي عليها، توصله إلى المكان الذي يريد، وعينا تقوده يرى بها الأشياء الجميلة، وأذنا يسمع به الأصوات الجميلة والكلمات اللطيفة، ولسان يتذوق به الطعوم الحلوة.. وقدرة على الحركة، وإرادة على الاختيار:

ففي قدرته نفي الظلام، ونشر النور..

في قدرته نفي الظلم.. ونشر العدل..

في قدرته القضاء على الشقاء والعذاب.. ونشر السعادة والنعيم..

كيف يأذن الإنسان لنفسه أن يستبد بها اليأس، وهو الذي سخر الله له ما في السموات والأرض.. ؟.. كيف يستسلم لليأس، وهو الذي فضل على كثير من الخلق؟..

وليس على الله أكرم منه..

ما مثله إلا كمثل من له ملك الدنيا،، ثم يشكو الرق والقيد والسجن؟..

أي رق هذا؟!، وأي قيد؟!، وأي سجن؟!..

إنما هي أشياء اصطنعها الإنسان لنفسه ورضي بها.. ولو كان ذا عزيمة، وعرف كيف يستعمل عقله، لتحرر من كل ذلك، ولعرف كيف يتمتع بحريته المطلقة، ويفك عن نفسه قيود اليأس، وسجن القنوط..

 

لا يأس... بل أمل..

اليأس للعاجز...

ملكة الكتابة، وصغر السن، من أسباب الأمل.. وقد حظيت بهما.. كما هو ظاهر في رسالتك:

ليس كل الناس يملكون قلما، يقدر على التعبير، يزيح ما بهم من هموم….. إن التعبير يريح النفس، ويزيل ما بها من أثقال، فمن أوتي ملكة الكتابة، فقد أمسك بخيط من خيوط الأمل..

فالقلم له قدرة عجيبة على فتح أبواب الأمل، فكم أزاح من ظلام، وكم رسم سبلا إلى السعادة، وكم خط دروبا إلى نهاية الحزن.. وسلي أصحاب الأقلام، بل سلي نفسك، كيف كنت قبل كتابة هذه الرسالة، وكيف صرت بعد الكتابة؟.

إن نفوسا تغيرت، ومجتمعات تطورت، وأمما تخلصت من أغلالها، بسبب قلم.. فها هو القلم بين يديك، طوع الأنامل، فإياك والعجز عن التعبير عما نفسك.. وعن عن مداواة من حولك بهذا القلم من أخطائهم..

أكتبي، أكتبي، كل ما يجول في صدرك من شعور: الألم ودواءه.. الخطأ وصوابه.. والمرض وعلاجه..

أما عن العمر، فأنت في ثورته وقوته وبدوه، والناس يزعمون أن الشباب واليأس نقيضان، لا يجتمعان.. فكل أدوات الأمل عند الشباب، وقلب المسألة لا يجوز.. ولعل زيارة إلى دار العجزة والمسنين كافية في نزع وهم اليأس؟.

من أبواب الأمل أن نفهم سير الحياة..

أن الكدر والضنك علامتها وشعارها.. {لقد خلقنا الإنسان في كبد}.. أهذا مفهوم؟..

توطين النفس على تلقي المصائب يصبرها، ويمنعها من الجزع..

ويعطيها شيئا من الراحة..

الدنيا مزيج من الخير والشر، والسعادة والتعاسة، والتعب والراحة.. والشر عليها أغلب.. وهكذا كانت امتحانا واختبارا..

فمن صبر، واحتسب، فله جزيل الأجر، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}

لو صفت الدنيا لأحد لصفت لأكرم الخلق، محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأنبياء، لكنهم أكثر الناس ابتلاء... (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على قدر دينه، فإن كان في دينه قوة شدد عليه في البلاء، وإن كان في دينه رقة، خفف عليه في البلاء، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).. هكذا الدنيا..

وأعظم أبواب الأمل توثيق الصلة بالله، دعاء وطاعة..

أيوب - عليه السلام -، مكث مريضا عشرات السنوات، في مكانه، لا يبرح فراشه، حتى نبت القمل والديدان تحته.. فلما طال به المرض، رفع يديه إلى السماء، والأمل يملؤ قلبه قائلا: {رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}

فاستجاب الله له: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر}.. مادام الله معنا، فالأمل معنا..

فلنتحرر إذن من أسر الشيطان.. هو الذي يبث اليأس..

ولنثق برحمة الله.. ففيها كل الأمل..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply