ورحمتي وسعت كل شيء


 
 
 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

دعوة ربانية للإسراع بالتوبة

 

ما أعظم حلم الله - عز وجل - على عباده، وما أوسع رحمته وتفضله عليهم! إن أحسنوا فهو حبيبهم وإن أساؤوا فهو طبيبهم، يتفضل عليهم بقبول التوبة، وغفران الذنب، ورفع الدرجات، وإجزال الأعطيات، لا يرد سائلاً رجاه، ولا يخيب مضطراً دعاه، وسعت رحمته كل شيء، وفاض جوده على كل ما خلق وذرأ.

ومن مزيد إحسانه وتفضله على العائدين إليه: أن نقاهم وطهرهم من كل سيئة، اجترحوها أو ذنب اقترفوه، لأنه - سبحانه وتعالى - طيب لا يقبل إلا طيباً. وحتى لا يصحبهم من درن ماضيهم وأوزاره ما عساهم يعيرون به أو يخجلون منه، أو يخشون المحاسبة عليه بشرهم النبي {بأن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة النصوح تجٌّب ما قبلها، فلا غرابة والحال هذه أن تفتَّح الأبواب أمام التائبين، ليبلغوا أرقى مراتب الكمال البشري، ويتمنوا أعلى درجات التقى وأرقاها، ويصبحوا أئمة يقتدى بفعالهم، ويسترشد بأقوالهم.

إنها نفحات الرحمن، وعناية المتفضل المنان، تجعل من ينال قسطاً منها من المقربين لديه زلفى، الموعودين بعز الدنيا وحسن العقبى.

وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان

واصطد بها العنقاء فهي حبالة *** وأصعد بها الجوزاء فهي عنان

وكم في سيرة سلفنا من رجال كانوا منحرفين عن الجادة، القويمة، سادرين في غوايتهم متمادين في ضلالهم، يخشى الناس شرهم، ويخافون بطشهم وفتكهم، كالفضيل بن عياض وسواه ممن تداركتهم رحمة الله - تعالى -، فغدا الواحد منهم عنواناً عن تجليات الله - عز وجل - ولطفه بالعصاة والمذنبين.

لقد تفضل عليهم بالتوبة، وأنعم عليهم بقبولها، ثم رباهم على عينه، حتى أصبح واحدهم من أعلام الأمة الأثبات، وحفاظها الثقاة، وفقهائها الزهاد، وزهادها الفقهاء، لقد أصبح اللص أميناً، حارساً لمبادئ الفضيلة، مربياً ربانياً، يهتدي بإرشاده أعلام الأمة فضلاً عمن سواهم، لقد غدوا بحق كما قال داود الطائي: ما أخرج الله عبداً من ذل المعصية إلى عز الطاعة إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآمن بلا أنيس يا له من كلام بليغ، يفتح الأمل أمام من زلت أقدامهم، وانحرفت خطاهم، وقادهم إلى الضلال شيطانهم وهواهم.

إن الكريم يناديهم، ويفتح الأبواب مشرعة أمامهم، فما عليهم إلا أن يصغوا بأسماعهم، ويفتحوا قلوبهم، لتفقه النداء العلوي الحبيب: قل يا عبادي الذين أسرفوا على\" أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (53) وأنيبوا إلى\" ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون (54) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55) (الزمر).

فهل يقنط مؤمن من رحمة ربه بعد هذه البشارة الربانية؟ وهل يؤجل أو يسوِّف وهو يعلم أن العمر محدود، وفجاءة الموت غير مأمونة!.

فالبدار البدار، قبل ضياع الفرصة، وانقضاء الأجل، فإنه لا ينفع الصوت إذا فات الفوت، ولا ينفع المنادون عند هول المطلع: هل إلى\" مرد من سبيل 44؟ (الشورى: 44) لقد كانت السبيل واضحة، وسلوكها ميسراً، ولكن الهوى طمس القلوب والشيطان سوَّل وأملى.

فلا تعجبن بعد هذا أن يكون الزرع هشيماً، والثمر مراً، فما سمعنا بشوك طرح عنباً، ولا بجهام أرسل غيثاً، فالشوك لا يطرح إلا شوكاً، وأسرع السحب في المسير الجهام، وليس يجني زارع إلا ما زرع، ولا نجاة إلا بفضل الله ورحمته، لقد كتب ربنا على نفسه أنه أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (54 )الأنعام.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply