حتى يسعى نورنا بين أيدينا يوم القيامة ( 2 من 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأعمال التي لها نور:

أولاً: نور لا إله إلا الله:

قال ابن القيم رحمه الله: \"اعلم أن أشعة لا إله إلا الله\"، تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الإشعاع وضعفه. فلها نور، وتفاوت أهلها في ذلك النور قوة وضعفاً لا يحصيه إلا الله تعالى.

فمن الناس: من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس.

ومنهم: من نورها في قلبه كالكوكب الدري.

ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم.

وآخر كالسراج المضيء.

وآخر كالسراج الضعيف.

ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم، وبين أيديهم، على هذا المقدار، بحسب ما قلوبهم من نور هذه الكلمة؟ علماً وعملاً ومعرفة وحالاً\".

ثانياً: الصلاة نور:

عن أبي مالك الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم \"... والصلاة نور.. \" (1)

و روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"الصلاة نور المؤمن\" (2).

1- الصلاة نور في الدنيا:

فهي للمؤمنين في الدنيا نور في قلوبهم وبصائرهم، تشرق بها قلوبهم، وتستنير بصائرهم، ولهذا كانت قرة عين المتقين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: \"جُعلت قرة عيني في الصلاة\"(3).

وخرج الهيثمي من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: \"إذا حافظ العبد على صلاته، فأقام وضوءها، وركوعها، وسجودها، والقراءة فيها، قالت له: حفظك الله كما حفظتني، وصُعد بها إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى الله عز وجل فتشفع لصاحبها\"(4).

2 - الصلاة نور في القبر:

وهي نور للمؤمنين في قبورهم ولا سيما صلاة الليل كما قال أبو الدرداء: \"صلوا ركعتين في ظُلَم الليل لظلمة القبور\".

وكانت رابعة العدوية قد فترت عن وردها بالليل مرة فأتاها آت في منامها فأنشدها:

صلاتُك نورٌ والعبادُ رقُُُود *** ونومُك ضدٌّ للصلاة عنيدُ

3- الصلاة نور في الآخرة:

وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات يوم القيامة، وعلى الصراط. فإن الأنوار تُقسم لهم على حسب أعمالهم.

عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة فقال: \"من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور ولا نجاة ولا برهان\" (5)

ثالثاً: الشيبة في سبيل الله نور:

قال عمرو بن عبسة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: \"... وأيما رجل شاب شيبة في سبيل الله فهي له نور.. \" (6).

رابعاً: المشاؤون في الظلم لهم النور التام يوم القيامة:

عن بريدة الأسلمي: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة\"(7).

قوله: (بشر المشائين): المشائين: جمع المشاء وهو كثير المشي.

(بالنور التام): الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم، أي على الصراط لما قاسوا مشقة المشي في ظلمة الليل جوزوا بنور يضيء لهم ويحيطهم، قاله المناوي.

وقال الطيبي في وصف النور بالتام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى نورهم يسعى\" بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا(التحريم). وإلى وجه المنافقين في قوله تعالى: انظرونا نقتبس من نوركم (الحديد: 13).

خامساً: المتحابون في الله على منابر من نور:

عن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم \"إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى. قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها.. فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس\"(8).

(هم قوم تحابوا بروح الله):

قال الخطابي: فسروه القرآن وعلى هذا يتأول قوله عز وجل وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا (الشورى) سماه روحاً والله أعلم لأن القلوب تحيا به كما يكون حياة النفوس والأبدان بالأرواح.

وقيل أراد به المحبة أي يتحابون بما أوقع الله في قلوبهم من المحبة الخالصة لله تعالى.

(إن وجوههم لنور): أي منورة أو ذات نور.

(لعلى نور): أي على منابر نور(9).

سادساً: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا على منابر من نور:

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا\" (10).

قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على\" أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى\" بهما فلا تتبعوا الهوى\" أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 135(النساء).

قال الإمام ابن كثير: \"يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.

وقوله \"شهداء لله\" كما قال \"وأقيموا الشهادة لله\" أي أدوها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا خالية من التحريف والتبديل والكتمان ولهذا قال ولو على\" أنفسكم أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه.

وقوله أو الوالدين والأقربين أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم فإن الحق حاكم على كل أحد.

وقوله \"إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما\" أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه، لفقره والله يتولاهما بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما.

وقوله فلا تتبعوا الهوى\" أن تعدلوا أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية\"، وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم بل الزموا العدل على أي حال كان كما قال تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم على\" ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى\" (المائدة: 8).

ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم:

عن ابن عباس قال: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: \"اللهم اجعل لي نوراً في قلبي ونوراً في قبري ونوراً من بين يدي ونوراً من خلفي ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي ونوراً في سمعي ونوراً في بصري ونوراً في شعري ونوراً في بشري ونوراً في لحمي ونوراً في دمي ونوراً في عظامي. اللهم أعظم لي نوراً وأعطني نوراً واجعل لي نوراً. سبحان الذي تعطف العز وقال به. سبحان الذي لبس المجد وتكرم به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له.. سبحان ذي الفضل والنعم.. سبحان ذي المجد والكرم.. سبحان ذي الجلال والإكرام\" (11).

 

-------------------------------------------------------

الهوامش

(1) رواه مسلم

(2) رواه أبو يعلى (3655)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (176) و(177)، والقضاعي، (144) وإسناده ضعيف.

(3) رواه أحمد من حديث أنس، (3196)، 285 والنسائي، (76261).

(4) أورده الهيثمي في المجمع (2122)، ورواه الطبراني في الكبير والبزار (350) بنحوه.

(5) رواه أحمد، (2169)، وصححه ابن حبان (1467).

(6) مسند أحمد، (18622).

(7) الترمذي، (207).

(8) سنن أبي داود، (3060).

(9) عون المعبود شرح سنن أبي داود

(10) صحيح مسلم، (ج31458)، رقم الحديث (1827).

(11) أخرجه الترمذي، (3341).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply