كلمات من ذهب على فراش الموت ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -:

قال عبد الله بن عمر قبل أن تفيض روحه: ما آسى من الدنيا على شيء إلا على ثلاثة: ظمأ الهواجر ومكابدة الليل و مراوحة الأقدام بالقيام لله - عز وجل -، و أني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت (و لعله يقصد الحجاج و من معه).

 

عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -:

لما حضرت عبادة بن الصامت الوفاة، قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن.

ثم قال: اجمعوا لي موالي و خدمي و جيراني و من كان يدخل علي، فجمعوا له..فقال: إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا، و أول ليلة من الآخرة، و إنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، و هو والذي نفس عباده بيده، القصاص يوم القيامة، و أحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي.

 

فقالوا: بل كنت والداً و كنت مؤدباً.

 

فقال: أغفرتم لي ما كان من ذلك؟ قالوا: نعم.

 

فقال: اللهم اشهد... أما الآن فاحفظوا وصيتي... أحرج على كل إنسان منكم أن يبكي، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعبادة و لنفسه، فإن الله - عز وجل - قال: و استعينوا بالصبر و الصلاة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين... ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، و لا تتبعوني بنار.

 

الإمام الشافعي - رضي الله عنه -:

دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه.

 

فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟!

 

فقال الشافعي: أصبحت من الدنيا راحلا، و للإخوان مفارقا، و لسوء عملي ملاقيا، و لكأس المنية شاربا، و على الله واردا، و لا أدري أ روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ يقول:

 

و لما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي نحو عفوك سلما

 

تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما

 

فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود و تعفو منة و تكرما

 

الحسن البصري - رضي الله عنه -:

حينما حضرت الحسن البصري المنية، حرك يديه و قال: هذه منزلة صبر و استسلام!

 

عبد الله بن المبارك:

العالم العابد الزاهد المجاهد عبد الله بن المبارك، حينما جاءته الوفاة اشتدت عليه سكرات الموت ثم أفاق.. و رفع الغطاء عن وجهه و ابتسم قائلا: لمثل هذا فليعمل العاملون.. لا إله إلا الله، ثم فاضت روحه.

 

العالم محمد بن سيرين:

روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك؟

 

فقال: أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية.

 

الخليفة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -:

لما حضر الخليفة عمر بن عبد العزيز الموت قال لبنيه و كان مسلمة بن عبد الملك حاضرا: يا بني، إني قد تركت لكم خيرا كثيرا لا تمرون بأحد من المسلمين و أهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقا.

 

يا بني، إني قد خيرت بين أمرين، إما أن تستغنوا و أدخل النار، أو تفتقروا و أدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي، قوموا عصمكم الله.. قوموا رزقكم الله..

 

قوموا عني، فإني أرى خلقا ما يزدادون إلا كثرة، ما هم بجن و لا إنس..

 

قال مسلمة: فقمنا و تركناه، و تنحينا عنه، و سمعنا قائلا يقول: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين}، ثم خفت الصوت، فقمنا فدخلنا، فإذا هو ميت مغمض مسجى!

 

الخليفة المأمون - رحمه الله -:

حينما حضر المأمون الموت قال: أنزلوني من على السرير.

 

فأنزلوه على الأرض.. فوضع خده على التراب و قال: يا من لا يزول ملكه.. ارحم من قد زال ملكه.

 

أمير المؤمنين عبد الملك من مروان - رحمه الله -:

يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال: ارفعوني على شرف، ففعل ذلك، فتنسم الروح، ثم قال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، و إن كثيرك لحقير، و إن كنا منك لفي غرور!

 

هشام بن عبد الملك - رحمه الله -:

لما احتضر هشام بن عبد الملك، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال: جاء هشام إليكم بالدنيا و جئتم له بالبكاء، ترك لكم ما جمع و تركتم له ما حمل، ما أعظم مصيبة هشام إن لم - يرحمه الله -.

 

الخليفة المعتصم - رحمه الله -:

قال المعتصم عند موته: لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت!

 

الخليفة هارون الرشيد - رحمه الله -:

لما مرض هارون الرشيد و يئس الأطباء من شفائه.. و أحس بدنو أجله.. قال: أحضروا لي أكفانا فأحضروا له.. فقال: احفروا لي قبرا.. فحفروا له... فنظر إلى القبر و قال:

 

{ما أغنى عني مالية * هلك عني سلطانية}!

 

مسك الختام

محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة، كان المرض قد أشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و سرت أنباء مرضه بين أصحابه، و بلغ منهم القلق مبلغه، و كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أوصى أن يكون أبو بكر إماما لهم، حين أعجزه المرض عن الحضور إلى الصلاة.

 

و في فجر ذلك اليوم و أبو بكر يصلي بالمسلمين، لم يفاجئهم و هم يصلون إلا رسول الله و هو يكشف ستر حجرة عائشة، و نظر إليهم و هم في صفوف الصلاة، فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يخرج للصلاة، فأراد أن يعود ليصل الصفوف، و هم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و أومأ إلى أبي بكر ليكمل الصلاة، فجلس عن جانبه و صلى عن يساره، و عاد رسول الله إلى حجرته، و فرح الناس بذلك أشد الفرح، و ظن الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أفاق من وجعه، و استبشروا بذلك خيرا. و جاء الضحى، و عاد الوجع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا فاطمة: فقال لها سرا أنه سيقبض في وجعه هذا، فبكت لذلك، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله، فضحكت، و اشتد الكرب برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. و بلغ منه مبلغه، فقالت فاطمة: واكرباه. فرد عليها رسول الله قائلا: لا كرب على أبيك بعد اليوم. و أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصيته للمسلمين و هو على فراش موته: الصلاة الصلاة.. و ما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم، و كرر ذلك مرارا

 

و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده السواك، فنظر إليه رسول الله، قالت عائشة: آخذه لك؟، فأشار برأسه أن نعم، فاشتد عليه، فقالت عائشة: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فلينته له..

 

و جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل يديه في ركوة فيها ماء، فيمسح بالماء وجهه و هو يقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات.

 

و في النهاية... شخُصَ بصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. و تحركت شفتاه قائلا: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، اللهم اغفر لي و ارحمني، و ألحقني بالرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى.. اللهم الرفيق الأعلى.. اللهم الرفيق الأعلى.

 

و فاضت روح خير خلق الله.. فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها.. فاضت روح من أرسله الله رحمة للعالمين و صلى اللهم عليه و سلم تسليما.

اللهم إنا نسألك عيشة هنيئة و ميتة سوية و مرد غير مخز و لا فاضح.. اللهم أجعل الحياة زيادة لنا في كل خير و اجعل الموت راحة لنا من كل شر، و إن أردت بأهل الأرض فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا و لا نداما.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply