مراقبة الله تعالى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عن عبد الله بن دينار قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسنا فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع؟ قال: نعم. قال: بِعني شاة من الغنم. قال: إني مملوك. قال: قل لسيدك أكلها الذئب. قال: فأين الله - عز وجل -؟ قال ابن عمر: فأين الله؟ ثم بكى ثم اشتراه بعد فأعتقه.

 

· قال عروة بن الزبير: خطبت إلى ابن عمر ابنته ونحن في الطواف فسكت ولم يجبني بكلمة. فقلت: لو رضي لأجابني والله لا أراجعه بكلمة: فقدر له أنه صدر إلى المدينة قبلي، ثم قدمت فدخلت مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأديت إليه حقه فرحب بي، وقال: متى قدمت؟ قلت: الآن. فقال: كنت ذكرت لي سودة ونحن في الطواف نتخايل الله بين أعيننا، وكنت قادراً أن تلقاني في غير ذلك الموطن فقلت: كان أمراً قُدر. قال: فما رأيك اليوم؟ قلت: أحرص ما كنت عليه قط، فدعا ابنيه سالماً وعبد الله وزوجني.

 

· عن الأعمش قال لي شقيق بن سلمة الأسدي: نعم الرب ربنا لو أطعناه ما عصانا.

 

· عن خالد بن معدان قال: ما من آدمي إلا وله أربعُ أعين، عينان في رأسه يُبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما ما وُعد بالغيب فأمِنَ الغيبَ بالغيب.

 

· عن بلال بن سعد السكوني قال: لا تنظر إلى صغرِ الخطيئة ولكن انظر إلى م عصيت.

 

· عن ابن عيينة قال: كانوا يقولون: ما رفع قيس بن مسلم رأسه إلى السماء منذ كذا وكذا تعظيماً لله.

 

· قال الذهبي: ورفع الرأس إلى السماء يلزم المسلم، ليعرف مواقيت الصلاة، والنجوم التي يُهتدى بها.

 

· قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب ما فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله.

 

· عن مالك بن دينار قال: وددت أن الله يجمع الخلائق، فيأذن لي أن أسجد بين يديه، فأعرف أنه قد رضي عني فيقول لي: كن تراباً.

 

· عن سفيان الثوري قال: احذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يرى وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئاً من الدنيا فلا تجده، أن تسخط على ربك.

 

· عن سفيان الثوري قال: ما تريد إلى شيء إذا بلغت منه الغاية، تمنيت أن تنفلت منه كفافاً.

 

· عن يعلى بن عبيد قال سفيان الثوري: لو كان معكم مَن يرفع حديثكم إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء؟ قلنا: لا. قال: فإن معكم من يرفعُ الحديث.

 

· قال شقيق بن إبراهيم: قلت لإبراهيم بن آدم: تركت خراسان؟ قال: ما تهنأت بالعيش إلا في الشام أفِرُ بديني إلى شاهق فمن رآني يقول موسوس، ومن رآني يقول جَمال، يا شقيق: ما نَبُل عندنا من نبل بالجهاد ولا بالحج، بل كان بِعَقل ما يدخل بطنه.

 

· قال خلف بن تميم: سألت إبراهيم بن أدهم: منذ كم قدمت الشام؟ قال: منذ أربع وعشرين سنة ما جئت لرباط ولا لجهاد، جئت لأشبع من خبز الحلال.

 

· عن يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي، أن أباه قام ليلة، وكان يُحيى الليل كله، قال: فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمس، ولم يُصل الصبح، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض شيئاً شهرين، فقرح فخِذاه جميعاً.

 

· قال الشافعي: ما كذبت قط: ولا حلفت بالله، ولا تركت غُسل الجمعة وما شبعت منذ ست عشرة سنة، إلا شبعة طرحتها من ساعتي.

 

· وعن محمد بن العباس قال: علامة الحب لله المراقبة للمحبوب، والتحري لمرضاته.

 

· عن الفضيل قال: أخذت بيد سفيان سفيان بن عيينة في هذا الوادي فقلت: إن كنت تظن أنه بقي على وجه الأرض شر مني ومنك فبئس ما تظن.

 

· وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: رأيت أبا عمار، - رحمه الله - في المنام بعد وفاته على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه ثياب بيض وعمامة خضراء، وهو يقرأ: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}، فأجابه مجيب من موضع القبر: حقاً قلت: يا زين أركان الجنان.

 

· عن أبي المستضيء معاوية بن أوس السكسكي من أهل بيت قوفا، قال: رأيت هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله - عز وجل -!.

 

· وعن حاتم الأصم: تعاهد نفسك في ثلاث: إذا عملت، فاذكر نظر إليك، وإذا تكلمت، فاذكر سمع الله منك، وإذا سكت، فاذكر علم الله فيك.

 

· وعن حاتم الأصم قال: لو أن صاحب خبرٍ, جلس إليك، لكنت تتحرز منه، وكلامك يُعرض على الله فلا تحترز!.

 

· قال الذهبي: هكذا كانت نُكت العارفين وإشاراتهم، لا كما أحدث المتأخرون من الفناء والمحو والجمع الذي آل بجهلهم إلى الاتحاد، وعدم السوي.

 

· قال أبو علي الثقفي: كان أبو حفص يقول: من لم يزن أحواله كُل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره، فلا تُعده.

 

· قال هلال بن العلاء:

 

سبيلي لسان كان يُعرِب لفظُه *** فيا ليته مِن وَقفَةِ العرض يَسلَمُ

 

وما تنفع الآدابُ إن لم يكن تُقى *** وما ضر ذا تقوى لسان معجم

 

· قال إبراهيم بن عرفة نفطويه: دخلت على محمد بن داود في مرضه، فقلت: كيف تجدك؟ قال: حب من تعلم أورثني ما تر. فقلت: ما منعك من الاستمتاع به، مع القدرة عليه؟ قال: الاستمتاع على وجهين، أحدهما: النظر وهو أورثني ما ترى، والثاني: اللذة المحظورة، ومنعني منها ما حدثني به أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس، رفعه، قال: (من عشق، وعف، وكتم، وصبر، غفر الله له وأدخله الجنة). ثم أنشد لنفسه:

 

انظر إلى السحر يَجري في لواحظِه *** وانظر إلى دَعَج في طرفه الساجي

 

وانظر إلى شعراتٍ, فوق عارضه *** كأنهن نِمَال دَب في عَاجِ

 

· روى أبو العباس بن سريج، عن إسماعيل القاضي، قال: دخلت على المعتضد، وعلى رأسه أحداث روم ملاح، فنظرت إليهم، فرآني المعتضد أتأملهم، فلما أردت الانصراف، أشار لي، ثم قال: أيها القاضي! والله ما حللت سراويلي على حرام قط.

 

· قال ابن مسروق البغدادي: التصوف: خلو الأسرار مما منه بُد، وتعلقها بما لا بد منه.

 

· وقال أبو نعيم: سمعت عمر البناء (البغدادي) بمكة يحكي محنة غلام خليل، قال: نسبوا الصوفية على الزندقة، فأمر الخليفة المعتمد في سنة أربع وستين ومئتين بالقبض عليهم، فأخذ في جملتهم النوري، فأدخلوا على الخليفة، فأمر بضرب أعناقهم، فبادر النوري إلى السياف، فقيل له في ذلك، فقال: آثرت حياتهم على نفسي ساعة، فتوقف السياف (عن قتله، ورفع أمره إلى الخليفة)، فرد الخليفة أمرهم إلى قاضي القضاة إسماعيل بن إسحاق، فسأل أبا الحسين النوري عن مسائل في العبادات، فأجاب: ثم قال: وبعد هذا، فلله عباد ينطقون بالله، ويأكلون بالله، ويسمعون بالله، فبكى إسماعيل القاضي، وقال: إن هؤلاء القوم زنادقة، فليس في الأرض موحد. فأطلقوهم.

 

· قال الخلدي: كتب الجنيد إلى يوسف بن الحسين: أوصيك بترك الالتفات إلى كل حال مضت، فإن الالتفات إلى ما مضى شغل عن الأولى، وأوصيك بترك ملاحظة الحال الكائنة. اعمل على تخليص هممك من همك لهممك، واعمل على مَحقِ شاهدك حتى يكون الشاهد عليك شاهد لك ربك ومنك.. في كلام طويل.

 

· ولأبي جعفر في تآليفه عبارة وبلاغة، فما قاله في كتاب: [الآداب النفسية والأخلاق الحميدة]: القول في بيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما يصدر من عمله لله عن نفسه، قال: \" إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به دعائه إلى سبيله، والقعود له رصداً بطرق ربه المستقيمة، صاداً له عنها، كما قال لِرَبه عز ذكره إذ جعله من المنظرين: {لأقعدن لهم صِراطك المستقيم * ثم لأتينهم مِن بين أيديهم ومن خلفهم} طمعاً في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه: {لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة لأحتنِكن ذُرِيَتهُ إلا قليلا} فحق على كل ذي حجة أن يجهد نفسه في تكذيب ظنه، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه، ولا شيء من فعل العبد أبلغ من مكروه من طاعته ربه، وعصيانه أمره، ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه، واتباعه أمره.

 

· وقال بنان الحمال: رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب، والإعراض عن الأسباب جملة يؤدي (بصاحبه) إلى ركوب الباطل.

 

· ومن كلام بنان الحمال: متى يفلح من يسره ما يضره؟!

 

· قال الحاكم أبو عبد الله العفار: محدث عصره، كان مجاب الدعوة لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيفاً وأربعين سنة.

 

احذر عدوك مرة *** واحذر صديقك ألف مرة

 

فلربما انقلب الصديق *** فكان أعرف بالمضرة

 

· سمعت بناناً الزاهد يقول: من كان يسره ما يضره متى يفلح؟.

 

· وسئل الجصاص عن التوحيد، فقال: أن يكون رجوعك إلى نفسك ونظرك إليهما أشد عليك من ضرب العنق.

 

· ومن نضم الوزير ابن المغربي:

 

وكل امرئٍ, يدري مواقع رشده *** ولكنه أعمى أسير هواه

 

هوى نفسه يُعميه عن قُبح عَيبِه *** وينظر عن حَذقٍ, عيوب سِواه

 

· ومن وصية ابن سينا لأبي سعيد فضل الله الميهني: ليكن الله - تعالى -أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عينه نكحوله بالنظر إليه، وقدمه موقوفه على المثول بين يديه ن مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قراره، فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر تجلى لكل شيء بكل شيء، وتذكر نفسه وودعها، وكان معها كأن ليس معها، فأضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي الرياء، ولن تخلص النفس عن الدون ما التفت إلى قيل وقال وجدال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما انفرج عن علم، ومعرفة الله أول الأوائل، إليه يصعد الكلم الطيب، إلى أن قال: والمشروب فيهجر تلهياً لا تشفياً، ولا يقصر في الأوضاع الشرعية ويعظم السنن الإلهية.

 

· بلغ من عفة الملك العزيز أنه كان له غلام تركي بألف دينار يقال له أبو شامة، فوقف، فراعه حسنه، فأمره أن ينزع ثيابه، وجلس منه مجلس الخناء، فأدركه توفيق، فأسرع إلى سرية له فقضى وطره.

 

· قيل: عرض على الملك الصالح طبيبه خمراً للتداوي، فأبى، ولعلي أموت وهو في جوفي. عاش عشرين سنة سوى أشهر.

 

وَلَهُ أيامِ عمرك تذهبُ *** وجميع سعيك يُكتَبُ

 

ثم الشهيد عليك *** فأينَ أينَ المهربُ

· سمعت السلفي يقول: كان الأبيوردي والله من أهل الدين والخير والصلاح والثقة، قال لي: والله ما نمت في بيت فيه كتابُ الله، ولا حديثُ رسول الله احتراماً لها أن يبدو مني شيء لا يجوز.

· قال ابن الطيوري: لما قدم عسكر طغرلبك لقي يعضهم ابن العشاري، فقال: يا شيخ! أيش معك؟ قال: ما معي شيء. ثم ذكر أن في جيبه نفقه، فناداه، وأخرج ما معه، وقال: هذا معي. فهابه الرجل، وعظمه، ولم يأخذ النفقة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply