نحن .. وملكية الأشياء


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 هل نحن.. الذين نملك الأشياء؟ أم إنَّ الأشياء هي التي تملِكُنا؟!

 

سؤالٌ ما ينبغي لِمسلمٍ, عاقلٍ, أن يغفلَ عن الإجابة عنهº لأنَّه يترتَّبُ على هذا الأمرِ انحرافٌ أو استقامةٌ في المنهج والمفاهيم!

 أليس قد ذَكَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الدرهم والدينار؟ وحذَّر - صلى الله عليه وسلم - عبيدَ الدراهم والدنانير من أكلِ أموالِ المسلمين، كما روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه: من عِرضِه أو من شيءٍ,º فليتحَلَّله منه اليومَ قبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا دِرهمº إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقدرِ مَظلَمَتِه، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذَ من سيِّئاتِ صاحبِهº فحُمِلَ عليه)!

 

كيف بنا غداً إذا وُضِع الميزانُ وقامَ الناسُ لربِّ العالمين؟ ورأينا مِصداقَ ما رواه أبو أُمامة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَن اقتطعَ حقَّ امرىءٍ, مسلمٍ, بيمينِهº فقد أوجَبَ اللهُ له النار، وحرَّمَ عليه الجنة، فقال رجلٌ: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسولَ الله؟ فقال: وإن قَضِيباً من أراكٍ,)! [1]

ألا نتذكَّرُ حديثَ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتدرُون مَن المُفلس؟ قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا درهمَ له ولا مَتاع. فقال: إنَّ المُفلِسَ مِن أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامة بصلاةٍ, وصيامٍ, وزكاةٍ,، ويأتي وقد شَتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذاº فيُعطَى هذا من حسناتِه، وهذا من حسناتِهº فإن فَنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِِذَ من خَطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِحَ في النار). [2]

 

إننا حين نتدبَّرُ هذا الحديث .. نُدركُ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد علّمَ الصحابةَ أن ليس الإفلاسُ غيابَ المال، وقلّةَ الحال، وفقدان الوجاهاتº ولكنه إفلاسُ القلب والجوارح من الحسنات!

 

قال النووي - رحمه الله -: \"إنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديثº فهو الهالك الهلاكَ التامَّ والمعدومَ الإعدامَ المقطعº فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا فرغت حسناتهº أُخِذَ من سيئاتِهم فوُضِعَ عليه، ثم أُلقِيَ في النارº فتمت خسارتُه وهلاكُه وإفلاسُه\". [3]

 

إنَّ قولَ النبيِِّ - صلى الله عليه وسلم -: (ليس الغِنَى عن كثرةِ العََرََضº ولكنَّ الغِنَى غِنَى النفس)! أصلٌ في تخليصَ المعاييرِ الإسلاميّة والمفاهيمِ الشرعيّة من الشوائبِ المادّيّةº وقد تَرجَمَ به البخاري في (كتاب الرقاق) باب (الغنى غنى النفس). [4]

 

فليس كثرةُ المال هو الغنىº ولكنّ الغنى كثرةُ القناعة، وعفّة النفس، والاستغناء عن الناس، كما قال - تعالى - في صفة فقراء المهاجرين: (يحسبهم الجاهلُ أغنياءَ من التعفٌّف). [5] وقد روى ابن حبّان قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا ذرٍّ, أترى كثرة المال هو الغنى؟ قال: نعم. قال: وترى قلّة المالِ هو الفقر؟ قال: نعمº قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقرُ القلب)!

 

إننا نملك المالº حينما نتصرف فيه نحن في أوجُه الخيرِ والصدقات والتوسعة على الأهل وصلة الأرحامº وأما إذا بخلنا وضنَنَّا به وحبسناه عن الإنفاق الواجب، ومِلنا إلى كَنزِه وجَمعِهº فالمالُ حينئذٍ, هو الذي يَملِكُناº لأنه يتصرَّفُ فينا ويَحبِسنا عما ينفعنا!

 

قال الحافظُ ابنُ حجر: \"غِنَى النفسِ إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله - تعالى -، والتسليم لأمرهº علماً بأنّ الذي عند الله خيرٌ وأبقىº فهو مُعرِضٌ عن الحرصِ والطلب، وما أحسنَ قولَ القائل:

غِنَى النفسِ ما يَكفيك عن سدِّ حاجةٍ, *** فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا

 

وقال الطيِّبي: يمكن أن يُراد بغنى النفس: حصول الكمالات العلميّة والعمليّةº وإلى ذلك أشار القائل:

ومن يُنفق الساعاتِ في جمعِ مالِهِ      مخافةَ الفقرِ فالذي فعل الفقرُ! \"[6]

 

 إنَّ الأشياءَ لا تكون مَملوكةً لناº إلا حين تكون أداةً طَيِّعةً في أيدينا، ووسيلةً لتحقيقِ أهدافِناº سواءً كانت مالاً أو تجارةً أو مَسكَناًº ولذلك لا نبخَلُ بِبَذلِها في ساحاتِ العطاء ومَسارحِ الفِداءº وهذا من أسرارِ قولِ الله - عز وجل -: (قُل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعَشِيرتُكم وأموالٌ اقترَفتُمُوها وتجارةٌ تَخشَونَ كَسادَها ومَساكنُ تَرضَونَها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولِه وجهادٍ, في سبيلِه فتربَّصُوا حتى يأتيَ اللهُ بأمرِه). [7]

 

ولله دَرٌّ مَن قال:

نفسِي التي تملِكُ الأشياءَ ذاهِبةٌ      فكيفَ آسَى على شيءٍ, إذا ذَهَبا؟

 

-----------------

[1] رواه مسلم.

[2] رواه مسلم.

[3] شرح النووي على مسلم 16/136.

[4] فتح الباري 13/45.

[5] البقرة 273.

[6] المرجع السابق 13/57.

[7] التوبة 24.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply