الاستقامة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

روى الإمام أحمد والنسائي عن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً غيرك.

 

قال - صلى الله عليه وسلم - \"قل آمنت بالله ثم استقم\".

 

قلت فما أتقي؟ أي: أتوقى شره، فأومأ إلى لسانه..

 

 والاستقامة: الإقامة والملازمة للسير على الصراط المستقيم الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدي إليه كما قال - تعالى - :

 

(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور).

 

وقال - تعالى - (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).

 

فالماشي على الصراط المستقيم لا يحيد يمنة ولا يسرة فيضل ويقع في المتاهات.

 

وقد أمر الله عباده أن يدعوه (اهدنا الصراط المستقيم) فثبتنا عليه وزدنا هدى فوق هدى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى).

 

ويدخل في الاستقامة على الصراط التزام المأمورات والانتهاء عن المنهيات فيدخل في ذلك طاعته وطاعة رسوله في الأقوال والآداب والأخلاق.

 

ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أمامنا - قال فيه الله - عز وجل - :

 

(إنك لعلى هدى مستقيم) فالاستقامة على الصراط تتحقق باتباع هذا الإمام العظيم - صلى الله عليه وسلم - . قال - تعالى - (واتبعوه لعلكم تهتدون). وقد بين الله - تعالى - فضل الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وذكر ما أكرمهم به سبحانه فقال: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون).

 

وقال أيضاً - سبحانه و تعالى - : (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل علهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلاً من غفور رحيم).

 

قال الصديق - رضي الله عنه - في الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا: لم يشركوا بالله - تعالى - شيئاً.. هو وحده لا شريك له.

 

وقال الفاروق عمر - رضي الله عنه - في تفسيرها: استقاموا لله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعلب.

 

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - فيها: استقاموا على أداء فرائضه كاملة بسننها وآدابها وأخلصوا لله - تعالى - .

 

قال أبو العالية: أخلصوا لله - تعالى - الدين والعمل.. والاستقامة حقيقة تتطلب ذلك كله.

 

وكان الحسن البصري إذا قرأ الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.

 

وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

 

\"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه\". أي ضرره وإيذاءه. فإذا توقفنا عند قوله - تعالى -: (تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا) وجدنا إشراقات كثيرة منها:

 

1 - ألا تخافوا من ردّ حسناتكم فهي مقبولة، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنها مغفورة.

 

2 - ألا تخافوا مما تقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم في الدنيا.

 

وهذه التنزلات الملكية بالأمان من المخاوف ومن الأحزان، وبالبشائر تتوارد عليهم وتتوالى وتتابع في جميع أحوالهم وفي حالات المخاوف، وأشدها عند الموت وفي القبر وعند البعث، ففي هذه المواطن الثلاثة المخيفة المغمّة يكونون في أمان وسلام ويستبشرون بالأمن والأمان من الرحيم المنان.

 

 - نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا.. فكيف ذلك؟

 

إن الملائكة أحباؤنا الذين يدعون لنا بالخير، ويلهموننا إياه ويحسّنون لنا الحسن، ويحذروننا من الشر حين كان الشيطان يزيّنه لنا، يدل على ذلك ما جاء في الحديث الشريف الذي رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - :

 

\"إن للشيطان لمّة بابن آدم، وللملك لمة

 

فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق

 

وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق

 

فمن وجد من ذلك شيئاً - أي الإيعاد بالخير والتصديق بالحق - فليعلم أنه من الله - تعالى - ، فليحمد الله - تعالى - .

 

ومن وجد الأخرى - أي لمة الشيطان - فليتعوذ بالله من الشيطان\".

 

ثم قرأ (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً، والله واسع عليم).

 

والملائكة يحضرون مجالس العبادة والصلاة وتلاوة كتاب الله، كما ورد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الإمام مسلم:

 

\"وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده..\".

 

 - والآخرة.. فكيف ذلك؟

 

إنهم يكونون معنا في قبورنا، يلاطفوننا ويؤانسوننا، ويحتفون بنا، لئلا تعترينا وحشة في القبور، وفي الحشر والنشر، ويصاحبوننا في سيرنا على الصراط المستقيم حتى نصل إلى الجنة - إن شاء الله - تعالى - وتتلقانا ملائكة الجنة فندخلها بسلام وأمان قال - تعالى - :

 

(وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين).

 

وهم – الملائكة - يشهدون للمؤمنين عند ربهم بطاعتهم وعبادتهم وأذكارهم وتلاوة كتاب الله، لأنهم معهم يشاركونهم.

 

قال - تعالى - : (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) ومن جملة الأشهاد الملائكة عليهم السلام.

 

روى ابن ماجة عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:\"أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحداً لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حين يفرغ منها..\"

 

وروى أبو هريرة - رضي الله تعالى - عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

 

\"إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول\".

 

فالاستقامة نور في الحياة الدنيا، وعزة وكرامة في الآخرة ومنازل الأبرار في الجنة.

 

اللهم اجعلنا من أهل الاستقامة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply