روح الداعية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 إن الدعوة إلى الله نور ينشره الداعية عبر كلماته، وابتساماته، وأعماله. وهذا النور يجري في البدن جريان الدم في العروق، فَيضيِّق الخناق على الشيطان، ولكنه يريح المؤمن مما أصابه، فينفض عنه غبار الغفلة، ليتمكن من رؤية السماء في سموها، والدنيا في دنوها، فيميز بين الحق والباطل.

وداعية ليست فيه هذه الروح، إنما مثل ما يقدمه كجنين استكمل خلقه: آية لله في الجمال، ولكنه سقط لا روح فيه!! فما مصيره بعد تقليب الأيادي له إلا أن يوارى في التراب ثم ينسى، فأي قلب يقبل هذه الميتة؟

قال - تعالى -: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى\"صراط مستقيم (52) (الشورى).

قال الزمخشري: يريد: ما أوحى إليه، لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيا الجسد بالروح. (الكشاف 4-227). ويقول الأستاذ سيد قطب:\"روحاً من أمرنا\".. فيه حياة، يبث الحياة ويدفعها ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود. (الظلال 5-3171).

وهذه الروح لها تأثير الغيث على الأرض المستعدة للاستفادة والإفادة، وهذا ما عناه مالك بن دينار، فقد كان يخاطب أهل القرآن فيقول:\"يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب، كما أن الغيث ربيع الأرض\"(تفسير القرطبي 16-37).

وقد جاء في الحديث المتفق على صحته ما يؤكد هذا المعنى، فقد قال ص:\"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة: قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب: أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا.. الحديث\"(متفق عليه).

إن النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة، والسلاح بضاربه لا بحده، والتبر إنما غلا بعد صياغته، ومروره بنار الفتان، والشجرة التي تزرعها في القلوب، قوتها في ثباتها، ونتاجها في ثمارها، وحنانها في ظلها، واستعلاؤها في سموها، لا تعمل بها الريح إلا أن تنكفئ بحكمة ثم تعود سيرتها الأولى.

قال - تعالى -:\" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء 24 تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون\" 25 (إبراهيم).

ومن هنا كان الذي ينفخ الروح في الدعوة هو أنت أيها الداعية، والروح التي أعني هي الإيمان الصادق الذي يلهب كل حرف تصوغ منه كلمةً، فضلاً عن جملة، والروح التي أعني هي العاطفة الجياشة التي تَقدُم للأسماع، وكأنها الجيش الذي لا قِبَلَ لجنود إبليس بها، الروح التي أعني هي التربية الحقيقية، وليس الانتهاء من أوراق الصفحات في الكتب، والمحاسبة على عدد الأشرطة التي تُسمع. نحن لا نريد مثقفين فقط، بل نريد مربين، يحملون الراية جيلاً بعد جيل، فهل يعي الدعاة ما أقول؟

جميل أن نبني دعوتنا بأساليب الإدارة الحديثة، وجميل أن ننجز في دعوتنا برامج عديدة، وجميل أن نتخذ لدعوتنا طرقاً مبتكرة، تواكب العصر، ولكن الأجمل أن تخرج هذه الأمور وقد دبت فيها روح الدعوة، والتربية الإيمانيةº فنرى أثر هذه الأمور في قلب من ندعوه وليس في أعماله فقط. فلو أننا خاطبنا القلوب لأصغت إلينا الأعمال، وأتت وهي طائعة، كما قال ص:\"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب\". (رواه البخاري).

وكما قال عثمان - رضي الله عنه -:\"لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله - عز وجل -\"(رواه أحمد في الزهد وابن عساكر).

فلنراجع أنفسنا، ولنقوِّم مسارنا، ولنصلح التقصير، ثم لنكمل المسير، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply