الموت


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله الذي وصى عباده بتقواه, ووعد بالجنة من خافه وراقبه واتقاه ورجاه, وأنذر وخوف وتوعد بالنار من أذنب وعصاه, القائل جل في علاه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السٌّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} (الأنعام:153), وصلى الله وسلم على خير نبي وأزكاه القائل: ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم – :(اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أيها الأحبة في الله: كتبت لكم هذه الكلمات ولسان حالي ومقالي يقول:

إلهي لا تعذبني فإني   ***  مقر بالذي قد كان مني

فكم من زلة لي في البرايا  *** وأنت علي ذو فضل ومني

إذا فكرت في ندمي عليها  *** غضضت أناملي وقرعت سني

ومالي حيلة إلا رجائي ** * وعفوك إن عفوت وحسن ظني

يظن الناس بي خيراً وإني *** لشر الناس إن لم تعفو عني

 

فأسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا, وأن يكفر عنا سيئاتنا, وأن يتوفانا وهو راض عنا..

أخي هل جلست يوماً مع كتاب الله المبين؟!! هل جلست مع ذلك الكتاب الذي لو طهرت قلوبنا ما شبعت من معانيه؟ كتاب يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه!! كتاب فيه شفاء ورحمة للمؤمنين!! كتاب تفطر منه قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وقلوب أصحابه, وقلوب الخائفين!!!

هل جلست يوماً تقرأه لا بعينك ولا بلسانك فقط بل بقلبك؟ هل تأملت عجائبه ومعجزاته؟! هل تدبرت آياته؟!

هل تلذذت بخطابه؟!!  

أحسب أنك ستقول نعم.. وهذا ما أؤمله فيك ولكنها الذكرى التي لابد منها ولا غنى لنا عنها.

قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد: كيف نصنع؟ نجالس أقواماً يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تطير فقال: والله إنك إن تخالط أقواماً يخوفونك حتى تدرك أمن، خير من أن تصاحب أقواماً يؤمنوك حتى تدرك خوف.

فوقفتنا هذه مع آية عظيمة قد تورد في قلب قارئها الخوف, ولكن من استعد لها نجا- بإذن الله- آية لو أنزلت على الجبال لتصدعت.. آية كم سمعتها آذان فأنصتت.. آية كم قرأتها أعين فبكت.. وكم وعتها قلوب فخشعت.. آية كم تمعنها غافل فتاب.. كم تدبرها معرض فرجع إلى ربه وأناب..

آية تحكي رحلة.. وأي رحلة.. سفر.. وياله من سفر. هي قول الله - تعالى -: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور} نعم أخي.. إنها رحلتك إلى الدار الآخرة.. إنه السفر الذي نسأل الله أن تكون نهايته الجنة وليس سقر.

ولعظم هذه الرحلة وهذا السفر قال - صلى الله عليه وسلم - : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا )

أي والله الذي لا إله إلا هو لو علمنا حقيقة الموت وشدته.. والقبر وظلمته... ويوم القيامة وكربته.. والصراط وزلته.. ثم لو تأملنا الجنة ونعيمها.. والنار وجحيمها لتغيرت أحوالنا. ولكننا نسينا أو تناسينا هذه الرحلة.. وأقبلنا على هذه الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

قال بعض السلف: \"يقال لبعضنا تريد أن تموت؟ فيقول: لا فيقال له: لم؟ فيقول: حتى أتوب وأعمل صالحاً فيقال له: اعمل فيقول: سوف أعمل ولا يزال يسوف حتى يأتيه الموت على غير توبة ولا عمل صالح..

أنا واثق أنك لا تحب أن تكون نهايتك هكذا..

إذن: تذكر حالك وأنت تعاني من سكرات الموت التي عانى منها أحب خلق الله إلى الله محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان يقول عند موته: \" لا إله إلا الله إن للموت لسكرات \"

تصور نفسك يا مسكين وقد حل الموت بساحتك.. وملك الموت واقف عند رأسك.. حشرج صدرك.. تغرغرت روحك.. ثقل منك اللسان.. وانهدت الأركان.. وشخصت العينان.. أغلق باب التوبة دونك.. عرق منك الجبين.. وكثر حولك البكاء ومنك الأنين.. وأنت في كرب شديد.. لا منجى منه ولا محيد.. تعاين هذا الأمر العظيم بعد اللذة والنعيم.. قد حل بك القضاء.. ثم عرج بروحك إلى السماء.. فيا لها من سعادة أو شقاء..

{فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}

نعم أخي.. كفى بالموت واعظا.. كفى بالموت مقرحاً للقلوب.. ومبكياً للعيون.. ومفرقاً للجماعات.. وهادماً للذات وقاطعاً للأمنيات..

فيا مغروراً بدنياه.. ويا معرضاً عن الله.. ويا غافلاً عن طاعة مولاه.. يا من كلما نصحه الناصحون صده عن قبول النصيحة هواه.. يا من ألهته الشهوات وغره طول الأمل.. هل تفكرت في هذه اللحظات إذا بقيت على ما أنت عليه؟ هل تدري ماذا سيحصل لك عند الموت؟  متأكد أنك الآن تقول في نفسك سأقول: لا إله إلا الله.

لا يا أخي.. إذا بقيت على ضياعك وفي غفلتك وإعراضك حتى لحظة الموت فلن تستطيع أن تقولها بل ستتمنى الرجعة: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها}

ولكنه قالها بعد فوات الأوان..

أخي: هل تدري متى ستموت؟ وأين ستموت؟ لا والله إنك لا تدري. إذاً لماذا تؤجل التوبة وتسوف الأوبة..

هي دعوة صادقة من الله - عز وجل - حبث يقول: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}

وفي الختام أقول لك ما قاله الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - \" إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل\"   لا تنسوني من الدعاء..... 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply