تخويف أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

النار خلقها الله - تعالى - لعصاة الجن والإنس وبهما تمتلئ قال الله - تعالى -: \"ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أذان لا يسمعون بها\" الأعراف وقال - تعالى -: \"وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين\" هود وقال - تعالى -: \"ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين\" السجدة, وقال - تعالى -: \"ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس\" الآية إلى قوله - تعالى -: \"قال النار مثواكم خالدين فيها\" الأنعام, وقال - تعالى - حاكيا عن الجن الذين استمعوا القرآن: \"وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا\" الجن وقال-تعالى-: \"سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان الرحمن يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران\" إلى قوله: \"فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام \" الآيات الرحمن, ولهذا روي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأ هذه السورة على الجن وأبلغهم إياها لما تضمنت ذكر خلقهم وموتهم وبعثهم وجزائهم وأما سائر الخلق فأشرفهم الملائكة وهم متوعدون على المعصية بالنار وهو خائفون منها قال الله - تعالى- :\"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا - سبحانه - بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين\" الأنبياء, وقد استفاض عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن هاروت وماروت كانا ملكين وأنهما خيرا بعد الوقوع في المعصية بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لعلمهما بانقضائه, وقد روي في ذلك حديث مرفوع من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرجه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه, ولكن قد قيل إن الصحيح إنه موقوف على كعب وخرج الإمام أحمد من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: \" أنه سأل جبريل - عليه السلام - فقال له ما لي لا أرى ميكائيل - عليه السلام - يضحك فقال جبريل: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار\", وروى أيضا في كتاب الزهد من حديث أبي عمران الجوني قال: \"بلغنا أن جبريل جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجبريل - عليه السلام - يبكي فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يبكيك يا جبريل؟ قال: أو ما تبكي أنت يا محمد ما جفت عيناي منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها\",  وقد روي نحوه من وجوه أخر مرسلة أيضا, وخرج الطبراني من حديث محمد بن أحمد بن أبي خيثمة حدثنا محمد بن علي حدثنا أبي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمران: \"أن جبريل جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حزينا لا يرفع رأسه فقال له: ما لي أراك يا جبريل حزينا؟ قال: إني رأيت نفحة من جهنم فلم ترجع إلي روحي بعد\", وقال: لم يرفعه عن زيد إلا علي تفرد به ابنه محمد بن علي بن خلف, وهذا يدل على أن غيره وقفه, وخرج الطبراني أيضا من طريق سلام الطويل عن الأجلح الكندي عن عدي بن عدي الكندي عن عمر بن الخطاب قال: \"جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في غير حينه الذي كان يأتيه فيه فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يا جبريل ما لي أراك متغير اللون؟ قال: ما جئتك حتى أمر الله بمنافيخ النار قال: يا جبريل صف لي النار وانعت لي جهنم\", فذكر الحديث وسنذكره إن شاء الله - تعالى - مفرقا في الكتاب في مواضع, ثم قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: \"حسبي يا جبريل لا ينصدع قلبي فأموت قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبريل وهو يبكي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت فيه. فقال: وما لي لا أبكي أنا أحق منك بالبكاء لعلي أن أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها, وما أدري لعلي ابتليت بما ابتلى به إبليس فقد كان مع الملائكة, وما أدرى لعلي ابتليت بما ابتلى به هاروت وماروت قال: فبكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبكى جبريل - عليه السلام - فما زالا يبكيان حتى نوديا يا محمد ويا جبريل إن الله - عز وجل - قد أمنكما أن تعصياه فارتفع جبريل وخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمر بقوم من الأنصار يضحكون فقال تضحكون ووراءكم جهنم فلو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما أسغتم الطعام والشراب ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله - عز وجل - فنودي يا محمد لا تقنط عبادي إنما بعثتك ميسرا ولم أبعثك معسرا, فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : سددو وقاربوا \"سلام الطويل ضعيف جدا وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي فضالة عن أشياخه قال: إن لله - عز وجل - ملائكة لم يضحك أحدهم منذ خلقت جهنم مخافة أن يغضب الله عليهم فيعذبهم وبإسناده عن بكر العابد قال: قلت لجليس لابن أبي ليلى يكنى أبا الحسن أتضحك الملائكة؟ قال: ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم, وعن محمد بن المنكدر قال: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة من أماكنها فلما خلق بنو آدم عادت, وروى أبو نعيم بإسناده عن طاووس قال: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة فلما خلق بنو آدم سكنت فأما البهائم والوحوش والطير, فقد روي ما يدل على خوفها أيضا قال عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير قال: بلغنا أنه إذا كان يوم نوح داود - عليه السلام - يأتي الوحش من البراري وتأتي السباع من الغياض, وتأتي الهوام من الجبال وتأتي الطيور من الأوكار, وتجتمع الناس لذلك اليوم, ويأتي داود - عليه السلام - حتى يرقى على المنبر فيأخذ في الثناء على ربه فيضجون بالبكاء والصراخ, ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فيموت طائفة من الناس, وطائفة من السباع, وطائفة من الهوام, وطائفة من الوحوش, وطائفة من الرهبان, والعذارى المتعبدات ثم يأخذ ذكر الموت وأهوال القيامة ويأخذ في النياحة على نفسه فيموت طائفة من هؤلاء وطائفة من هؤلاء, ومن كل صنف طائفة خرجه ابن أبي الدنيا وأما غير الحيوان من الجمادات وغيرها, فقد أخبر الله - سبحانه - أنها تخشاه,قال-تعالى-: \"وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار وإن منا لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله\" البقرة قال ابن أبي نجيح عن مجاهد كل حجر يتفجر منه الماء ويتشقق عن ماء أو يتردى عن رأس جبل فهو من خشية الله - عز وجل - نزل بذلك القرآن, وخرج الجوزجاني وغيره من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: إن الحجر ليقع إلى الأرض ولو اجتمع عليه الفئام من الناس ما استطاعوه وإنه ليهبط من خشية الله, قال ابن أبي الدنيا حدثني أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداي حدثنا الفضيل ابن العباس وكان من الأبدال وكانت الدموع قد أثرت في وجهه وكان يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف قال مر عيسى - عليه السلام - بجبل بين نهرين نهر عن يمينه ونهر عن يساره ولا يدري من أين يجيء هذا الماء ولا إلى أين يذهب. قال: أما الذي يجري عن يساري فمن دموع عيني اليسرى قال: مم ذاك قال: خوف من ربي أن يجعلني من وقود النار. قال عيسى: فأنا أدعو الله - عز وجل - أن يهبك لي. فدعا الله فوهبه له. فقال عيسى: قد وهبت لي قال: فجاء منه الماء حتى احتمل عيسى فذهب به قال له عيسى اسكن بعزة الله فقد استوهبتك من ربي فوهبك لي فما هذا؟ قال: أما البكاء الأول فبكاء الخوف وأما البكاء الثاني فبكاء الشكر. قال عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - إن القمر ليبكي من خشية الله. قال طاووس : إن القمر ليبكي من خشية الله ولا ذنب له ولا يسأل عن عمل ولا يجازى به.

فصل النار في الدنيا تخاف من نار جهنم وهذه النار التي في الدنيا تخاف من نار جهنم روى نفيع أبو داود عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: \"إن ناركم هذه لجزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها\" خرجه ابن ماجه ونفيع فيه ضعيف وقد روي موقوفا على أنس وخرج الحاكم من حديث جسر بن فرقد عن الحسن عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: \"ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من النار جهنم ولولا أنها غمست في البحر مرتين ما انتفعتم بها أبدا وايم الله إن كانت لكافية وإنها لتدعو الله وتستجير الله أن لا يعيدها في النار أبدا\", وقال صحيح الإسناد, وفي ذلك نظر فإن جسر بن فرقد ضعيف, وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي رجاء قال لما ألقي إبراهيم - عليه السلام - في النار أوحى الله لأن ضريتيه أو آذيتيه لأردنك إلى النار الكبرى فخرت مغشيا عليها ثلاثة أيام لا ينتفع الناس منها بشيء, وعن أبي عمران الجوني قال بلغنا أن عبد الله بن عمرو سمع صوت النار فقال: وإنا فقيل له ما هذا فقال والذي نفسي بيده إنها تستجير من النار الكبرى أن تعاد إليها وعن الأعمش عن مجاهد قال ناركم هذه تستعيذ من نار جهنم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply