هم العقم!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

السؤال:

تزوجت قبل سبع سنوات من بنت تصغرني بأربع سنوات، وبعد فترة من الزواج لم يُقسَم لنا من الذرية شيء، وبعد عمل الفحوصات تبين أن العيب فيَّ وليس في زوجتي ضعفت همتي للحياة، وصرت أتجنب الأقارب حتى لا يفاتحني أحد بموضوع الذرية، علماً بأن عدم الإنجاب يعدٌّ عيباً عندنا، أحس الآن بالإحباط والتذبذب، علماً بأني محافظ على صلاتي، مؤمن بما عند الله، إلا أن الشيطان يغلبني، مما أثَّر على عملي وعلى علاقتي بزوجتي، وأخاف أن يقوم أهل زوجتي بتطليقها مني، فهل يحق لأهلها تطليقها مني دون رضاها؟ أرجو نصحي، وأن تدلني على طريق يرتاح به ضميري، ويسكن همي.

 

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فأنت في نعمة عظيمة، وذلك من خلال وصفك عن حالك، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافاً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" أخرجه الترمذي (2346)، وابن ماجه (4141). فلله ما أخذ وله ما أعطى، الخلق خلقه، والأمر أمره، "يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً" [الشورى: 49-50]. فقد آتاك الله خيرات كثيرة، فتذكَّرها لكي لا تزدري نعمة الله عليك، وتذكَّر من هو أقل منك مالاً وعافية، وتذكَّر أنه لا يوجد على ظهر هذه البسيطة رجل أو امرأة لم يصب بالبلاء.

 

أخي الحبيب..دعني أقف معك بعض الوقفات:

الأولى: أنت لا تدري ما الصالح لك في عدم الولد، وتذكر قصة الغلام الذي قتله الخضر في سورة الكهف "وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً"[الكهف: 80].فكانت العلة من قتل الخضر لهذا الولد هي رحمة الله بهذين الأبوين الصالحين من طغيان ابنهما وكفره، فحكمة الله واسعة، فتأمل يا أبا محمد.

الثانية: أن الأبناء زينة وعزة وعون وسند، فكذلك تذكر أنهم مسؤولية عظيمة، وقد يكونون شينة وذلة وخزياً وعاراً في الآخرة والدنيا، فكم سمعنا ورأينا أبناء وبنات كانوا بلاء على والديهم. فتذكر أن الولد أمانة ومسؤولية يحتاج إلى رعاية وتربية وعناية، وأنك مسؤول عنهم أمام الله "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). فعدم تقدير الله لك الولد ربما يكون خيراً كثيراً لك وأنت لا تعلم كأجر صبرك على هذا الأمر، وقد يكون إتيان الولد سبباً لذهاب ما أنت فيه من خير ومن نعمة، وأشياء كثيرة لا تعلمها الله يعلمها.

الثالثة: بالنسبة لمسألة التحرج من المجتمع ومواجهتهم، وخصوصاً الأقارب، وبالأخص إذا فتح موضوع الأولاد، وجاء الحديث عن تربيتهم ومتاعبهم، فأنا أرى أن لا تشعر الناس بأنك محرج، واجعل الموضوع أمامهم طبيعياً، ولا تجعلهم يشعرون بأنك تحرج من طرح هذا الموضوع فبهذه الطريقة سوف تعزل نفسك عنهم، وتجعلهم يتركون الحديث عن الأولاد ومشاكلهم أمامك مراعاة لمشاعرك لتشترك معهم في الحديث، وتخبرهم بفعلك للأسباب، وأن هذا الأمر ليس بيدك، والأمر لله، وأن الذي يسعك فعله قد فعلته، وأشعرهم برضاك وقناعتك بما قدر الله لك فهذا يذهب عنك هذه النظرة التي تشعر بها.

الرابعة: كن جاداً في المعالجة والتماس الأسباب، وأكثر من الاستغفار فإنه يستجلب الرزق، كما قال -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام- "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً"[نوح: 10-12]. وكذلك الصدقة خصوصاً على الأيتام، ولا تيأس من رحمة الله، فربما أراد الله -جل وعلا- أن يبتليك في قوة يقينك به، وعدم جزعك وقلة صبرك، وأنت لازلت في أول عمرك، وأنا أعرف أحد الأخوة لم يأته الولد إلا بعد أربع عشرة سنة من الزواج.

الخامسة: بالنسبة لموضوع زوجتك فالأمر راجع لكما، وليس لأحد أن يتدخل بينكما إذا كنتما متفاهمين. ولكن من حق زوجتك أن تطلب الطلاق لعدم الولد إذا تأكد ذلك، ولا يكن ذلك سبباً في يأسك لو حصل، واعلم أنه لو حصل فلربما يكون الخير فيه، فقد ترزق الذرية من غيرها. ولكني أوصيك بحفظ خصوصيتك من عدم تدخل أحد، واحتواء زوجتك، والتفاهم فيما بينكما، ولا تلزمها بشيء، واجعل لها الخيار، فإن ذلك من حقها، وحفظ لشخصيتك عندها، وحبها لك فالمرأة لا تحب أن ترى الرجل ضعيفاً، فكن قويًّا في كل قراراتك، وأشعرها بقناعتك التامة لأي قرار يصدر عنها بعد أن تبين لها وجهة نظرك بمصداقية وتجرد وعدم انحياز لأي رأي، ولا تندم على أي الأحوال تكن الأمور.

 

أخيراً: أوصيك بالضراعة إلى الله في كل أمورك، واستشر القريبين منك ممن يعرف بيئتك ومجتمعك من عقلاء أسرتك، والله ولي التوفيق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

نعم الإجابة و اسمع لي

-

Ibrahim Kushisha

00:21:51 2015-01-08

أنا و زوجتي نحسب أننا على علم و تديُّن، رُزِقنا (أو قل رُزِئنا) بثلاث بنات و ولدين، و أثناء ظروف سفر و مرض تبرأت الكبرى منّا و من ديننا و تبعها إخوتها في الإلحاد. فليتهم أعلنوا العداوة لنا في أمر دنيوي مهما عَظُمَ، لكنّ المصيبة في العقيدة و الدين و الولاء لله الذي لا أعدلُ رضاه بشيئ. فياليتني كنتُ عقيماً. أو بدل عيالي كان أي شئ خيراً شراً أو حتى مرض و لو سرطان آخذ من ورائه أجراً