لكم يا أهل العوانس !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في المنطقة الوسط لقضية العنوسة سوف أقف عدة وقفات، أجعل فيها الأسباب على جهة، والعلاج على جهة أخرى، متجاهلاً هذه أو تلك، لأن كلتا الجهتين قد نال حظًا وافرًا من الحديث والبحث..

وبقينا في المعاناة نفسها والواقع ذاته..حينما تتوفر أسبابه ويصعب علاجه.. إنها الآن فتاة عانس.. وحسب.. أقرب الناس لها أهلها الذين يعيشون معها.. ويعايشون مأساتها، ويصلهم لهيبها بعد أن يحرقها..

دعوني أتطفل عليكم يا أهل العوانس لأتحدث إليكم في موضوع ذي حساسية بالغة فأقول لكم: بأنها ابنتكم فلن أكون حينها أرقّ منكم عليها، ولا أعرف بأحاسيسها ومشاعرها منكم، ولكنها محاولة في تخفيف همها، وتسليتها عن غمها..

ربما يكون من المستغرب في التعامل مع هذه الفتاة أن نحذِّر من مزيد العطف والإرضاء لها بما يميّزها عن أقرانها في الظاهرº لأن هذا النوع من التعامل سوف يذكرها بحالها التي تحاول نسيانه، ولا يعني هذا أيضًا ألا نعوّضها شيئًا من الحنان والرعاية اللتين تنشدهما كأقرانها المتزوجات، ولكن بطريقة تلقائية غير متكلفة.

وإن من أسهل الأشياء وأكثرها أثرًا في نفس هذه الفتاة هو الابتسامة المشرقة التي يجب أن تستقبل بها أو تودّع، بها تنسى أحزانها، وتستقبل بها ساعات أكثر أملاً وسعادة، فكيف لو أُلحقت هذه الابتسامة بسؤال عن حالها وصحتها وما فعلته في دراستها أو عملها أو نحو ذلك، إنها بلا ريب ستشعر بأن قلوبًا صافية أخرى قد انضمت إلى قلبها ليحمل عنه شيئًا من همومها.

والحياة الزوجية التي تفتقدها العانس لا تخلو من أخطاء ترتكبها الزوجة، غير أن الزوج ربما تغاضى عن زلاتها وعفا عن أخطائهاº لتسير دفة الحياة بمزيد من الحب والألفة، والزوجة لا ريب تجد لذة في هذا الإغضاء، وذلك العفوº لأنها تقيس به مكانتها في قلب زوجها وحبّه لها.. بمثال هذا التعامل يجب أن تُعامل به العانس.. بل بأحسن منه وأكرمº لأن الجود الخلقي في التعامل مع العانس مبرّأ عن حظوظ النفس ورغباتها، ولأنها حينما تحس بفقدان ما يكون سببًا للعفو عنها من التودّد القريب من نفس الزوج تزداد لوعتها وحنينها إليه، وإذا كان غضّ الطرف عن الخطأ سجيّة العظماء والقادرين مع الناس أجمعين فلأن يتعامل به مع أحوج الناس إليه أبلغ في العظمة وكمال الشخصية.

ومفاجأة العانس بهدية جميلة لمناسبة ما أو بدون مناسبة، أمر سينقُش في خاطرها المكلوم ذكريات تفيض بالمحبة لمن حولها، وتجعلها معهم أكثر صفاءً ونقاءً، ولو أنك اطلعت عليها وقد تفردت بهديتك الكريمة فسوف تجدها تردّد النظر إليها بين الفينة والأخرى، وتطيل التأمل فيها، وربما ضمّتها إلى صدرها، ولهج لسانها بالدعاء الصادق لمهديها إليها.

وقل مثل ذلك في كل أمر حسي تخصّ به هذه الفتاة كوجبة عشاء تحبّها أو حلوى تستلذها، أو حاجة كانت تسأل وتبحث عنها فيوفرها أحد أهلها لها، الأمر الذي سيترك حتمًا لمسات حانية على فؤادها، تكون ثمارها الفرحة والبهجة على محيّاها وقلبها.

ويا له من يوم سعيد على هذه الفتاة حينما نفرّحها بطلب مشاركتنا في رحلة خلوية أو سفر قريب، ليكون لها نصيب من المتعة المشتركة، والنزهة الخارجية، إنه يوم لن يُنسى، وساعات ستبقى.

ولفتة جميلة من أهل العانس ينبغي أن يمكنوها من الاستمتاع بها، وهي فسح المجال لإمتاع أطفالهم وملاعبتهم وتوجيههم والحديث إليهم، وعدم ردّ هداياها لهم، ولو تكررت منهاº لأن في هذا محاولة لإشباع روح الأمومة التي فُطرت عليها.

كما أن على أهل بيت العانس أن يتجنّبوا - بطريقة طبيعية- الحديث عن أخبار الفتيات اللواتي خطبن قريبًا أو أوشكن على الزواجº لأن هذا ربما أثار أشجانها، وأعاد إليها أحزانها.

وإذا كنا نوجّه بعدم إسماعها مثل هذه الأخبار والأحاديث، فإننا نحذِّر بشدة من أن نمكّنها من إثارة مشاعرها الإنسانية، وذلك بتوفير كل ما فيه اطلاع على الجنس ومثيراته بكل أصنافها من قنوات فضائية لا ترعى لفتاة حشمة ولا حياءً، أو غرف الدردشة الملغومة بالمغريات عبر شبكة الإنترنت، أو المجلات التي تغريها بالفتن وتحببها لها، فهي أمانة يجب أن تُرعى، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) رواه البخاري.

ولا يعني الاهتمام بخاطر العانس أن نعين الفراغ القاتل على نفسها، بل يجب توفير كل ما فيه نفع لها، وذلك بفتح آفاق الثقافة والإبداع لفكرها، من أجهزة مساعدة لذلك كجهاز الحاسوب والمسجل والكتب المفيدة والمجلات النافعة والأشرطة الطيبة، أو حثها على الاشتراك في المناشط المفيدة المختلفة، كالدورات العلمية بكل أصنافها الشرعية وغيرها، ومراكز تحفيظ القرآن والجمعيات الإغاثية ونحوها، يحفّ ذلك كله إشراف مباشر على ما تنتجه من عمل، وما تقدّمه من خدمات لنفسها ولأمتها، ويراعي من يقوم على ذلك مزيد التكريم لها والتشجيع والمكافأة على ما تبذله من عطاء، وما تقدّمه من إبداع، لتبحر سفينتها بأمان دون سآمة أو ملل.

ولنتذكر أخيرًا حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أنها قَالَت: دَخَلَتِ امرَأَةٌ مَعَهَا ابنَتَانِ لَهَا تَسأَلُ، فَلَم تَجِد عِندِي شَيئًا غَيرَ تَمرَةٍ, فَأَعطَيتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتهَا بَينَ ابنَتَيهَا، وَلَم تَأكُل مِنهَا، ثُمَّ قَامَت فَخَرَجَت، فَدَخَلَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَينَا فَأَخبَرتُهُ، فَقَالَ: مَنِ ابتُلِيَ مِن هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيءٍ, كُنَّ لَهُ سِترًا مِنَ النَّارِ) رواه البخاري.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply