العادة السرية حرمتها وأضرارها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما حكم العادة السريّة؟

الجواب:

في ظل المجتمعات الجاهلية التي تعيش بعيداً عن هدي شريعة الله - تعالى - وتحكيم قوانينها ورعاية أخلاقها: تَنعَدِمُ القيم وتتفلّت الشهوات وتتفجّر الغرائز، خاصّةً في غياب الرقابة الأخلاقية والتوعية التربوية والاجتماعية والصحية.

ومن بين العديد من العادات القبيحة الضارّة المنتشرة بين أوساط واسعة من الشباب والشابات: (العادة السرية) أو الاستمناء، أي تصريف الطاقة الجنسية عن طريق مداعبة العضو التناسلي وذلك باستدعاء المني للخروج بواسطة تحريك العضو باليد.

والداعي لهذه العملية التي غالباً ما تكون في الخفاء وبعيداً عن أعين الناس (ولذلك سميت بالعادة السِّرية): هو الفَلَتان الجنسي الذي يتفشى في المجتمعات الفاسدة، حيث يكثر تبرّج النساء وخروجُهُنَّ متزيّناتٍ, فاتناتٍ, مثيراتٍ, للشهوات، وحيث تنتشر أفلامُ التلفزيون والسينما الساقطةُ الماجنةُ، والصورُ والملصقاتُ العاريةُ أو شبيهة العارية، والمجلاتُ الداعرة، والجرائد التي تعرض الصٌّوَر المبتَذَلة. وكلٌّ ذلك يؤدي إلى انفجارٍ, جنسي وهيجانٍ, غرائزي، فتقع تلك المجتمعات تحت وطأة الرذيلة والزنا والشذوذ الجنسي والاختلاط وتفشي العادة السرية بين الرجال والنساء.

وإذا كان الحلٌّ الجذري هو العودةَ بالمجتمعات إلى الإسلامِ ورقابتِهِ الضميرية وأخلاقه الرفيعة التي تنشر العِفّة والتصوٌّنَ والحِشمة، وتمنع التبرٌّجَ والسفورَ والاختلاطَ والعُري، والتي توجد لتصريف الطاقة الجنسية طريقاً حلالاً طيباً هو الزواج، وتمهد له السبل وتشجع على سلوكه، فتتلاشى إلى حدٍّ, كبير العادات الضارة والفواحش الموبقة كالزنا والعادة السرية، فإنه من المستحسن عرض موقف الإسلام الفقهي من (العادة السرية) كي يتعرف عليه الناس ويلتزم به من يخشى الله - تعالى - ويريد منفعة نفسه الدينية والصحية.

لقد حرّم الإسلام (العادة السرية) واستدل على ذلك الفقهاء بعدة أدلة:

1- قول الله - تعالى - مادحاً المؤمنين: ((والذين هم لفُرُوجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكَت أَيمانُهُم فإنهم غيرُ ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادُون)). فالآية نص صريح في مشروعية الزواج ومِلكِ اليمين وأنّ ما وراء ذلك تعدٍّ, لحدود الله. فيدخل في عمومه: الزنا ونكاح المتعة والعادة السرية والشذوذ الجنسي. فكلها طرق غير مشروعة وليست من حفظ الفروج في شيء. ولقد استدل بهذه الآية على حرمة الاستمناء (العادة السرية) الإمامان مالكٌ والشافعيّ، كما استدل بها على ذلك عددٌ من المفسرين: كالإمام البَغويّ، والإمام النَّسَفي، والإمام القرطبي، والعلاّمة الألوسي.. وغيرُهم في تفاسيرهم.

2- وقول الله - سبحانه وتعالى-: ((وليستعفِف الذين لا يجدون نِكاحاً حتى يُغنِيَهم الله من فضله)). ودلالة هذه الآية على حرمة الاستمناء من حيث إنها أمرت بالاستعفاف لمن لم يتهيأ له سبيل النكاح. والأمر للوجوب ولم ترشد الآية قبل الأمر بالاستعفاف إلى طريق الاستمناء فدل ذلك على عدم مشروعيّته. والاستعفاف كما هو معلوم فطرةً وشرعاً ينافيه الزنا والعادة السرية.

3- وحديث ابن مسعود في الصحيحين الذي يخاطب فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشبابَ فيقول: \" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضٌّ للبصر وأحصنُ للفَرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه وِجاء\". (الباءة: القدرة على الزواج. وِجَاء: مخفف للشهوة ومُعين على التغلٌّب عليها). فلو كان الاستمناء حلالاً لبيّنه الرسول في هذا الموضع لأنه في معرِض الإرشاد والبيان، فلمّا سكت عنه وعدل إلى الحثّ على الصوم دلّ على حرمته.

4- كما استدل الفقهاء على حرمتها بالضرر المترتب عليها، إذ القاعدة العامة تقول: كلّ ما ثبت ضرره ثبت تحريمه. وهي مستفادة من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: \" لا ضرر ولا ضرار\" رواه الدارقطنّي وغيره بإسناد حسن. والمعنى أن ابتداء الضرر ممنوع منهيّ عنه في الإسلام وكذلك مقابلة الضرر بضرر آخر.

 

فأثبت هذا الحديث قاعدةً عامّة تندرج تحتها كثير من الجزئيات، كالتدخين مثلاً فإنه لمّا ثبت لدى المتخصصين والأطباء والهيئات الصحية الموثوقة ضَررُه الصحيّ صار أكثر الفقهاء المعاصرين يُفتون بتحريمه. وقد كان الخلاف فيه منتشراً قبل ذلك، لقلّة الخبرة بضرره وانعدام الأبحاث الطبية المتطورة، فلما ظهر ذلك بتطور المعارف الطبية وإجراء الكثير من الإحصائيات قلّ الخلاف وانحسر بل أصدرت لجنة الفتوى التابعة للأزهر الشريف قبل سنوات فتوى بتحريمه، كما صدرت فتوى بتحريمه من قِبل جميع الفقهاء والأطباء المشاركين في المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المخدِّرات والمسكرات الذي انعقد في المدينة المنورة عام 1404 هـ من دون مخالف.

وكذلك كالعادة السرية فإن أضرارها الصحية: وقف نموّ الجسم - النٌّحول والخَوَر - ضعف البصر - تقوٌّس الكتفين - العجز الجنسي - فقر الدم - مرض السلّ، بالإضافة إلى الأمراض النفسية، كلّ هذه الأضرار وغيرها هي مستند الفقهاء في التحريم. ومن أراد استقصاء أدلة التحريم فعليه بكتاب العلاّمة المحدث الفقيه عبد الله الغُماري: (الاستقصاء في أدلة تحريم الاستمناء).

وفي الختام، ينبغي لمن ابتُلي بهذه العادة القبيحة أن يخشى الله - تعالى - ويعزم على الإقلاع عنها، ولا يليق بالمسلم أن يبقى حبيسَ أحلامه الجنسية وخيالاته الشهوانية، وعلى العكس فاللائق به أن يكون على مستوى أرفع، وأن يصرف طاقاتِهِ فيما ينفع، وعليه أن يتسلح - وخاصة في ظل أوضاع مجتمعنا الشاذّة المنحطّة - بمزيد من الإقبال على العبادة وذكر الله - تعالى - والصيام وصرف الأوقات في الدعوة إلى الله لإصلاح المجتمع ونشر العفة والفضيلة، وليكن غض البصر رأسَ ماله وحصنَه وملاذَه فإنه أساس العلاج وأول الخطوات لاستئصال هذه العادة.والله - تعالى - الموفق للصواب والهادي إلى سبيل الرشاد.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply