ضعــف معلمــي اللغة العربيـة..إلى أين؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

يتساءل الكثيرون منا عن ظاهرة الضعف العام للطلاب في مواد اللغة العربية كالإملاء أو القواعد (النحو والصرف) أو الإنشاء (التعبير) أو المطالعة (القراءة) أو المحفوظات (الأناشيد) أو البلاغة.. إلخ. وإذا كانت تلك الظاهرة في الطلاب محزنة وتحتاج إلى دراسة مستفيضة، وبالتالي إلى علاج فعال فكيف بها وقد انتشرت بين معلمي اللغة العربية أنفسهم؟ وأقصد بعض معلمي اللغة العربية وليس كلهم، فلكل قاعدة شواذ كما يُقال ولكنها الحقيقة التي انطلقت كالرصاصة وأثيرت خلال جلسات اللقاء السنوي السادس لمديري التعليم في السعودية والمنعقد بمدينة أبها خلال الفترة من 18/12 إلى 22/12/1418هـ، وكان أحد اللقاءات التربوية قد أشار إلى الضعف العام لمعلمي اللغة العربية، ولاشك أن ذلك الحكم قد صدر بعد دراسة ميدانية شارك فيها خبراء وأساتذة لهم باع طويل في مجال التربية والتعليم، وتحتاج تلك الظاهرة إلى وقفة قصيرة لمعرفة أسبابها فقد تكون في المعلم نفسه من حيث إعداده ومؤهلاته ونفسيته، وقد تكون في الإدارة التعليمية بداية من إدارة المدرسة، وقد تكون في الطالب نفسه من حيث ميوله وتقبله أو نظرته لمواد اللغة العربية ومعلميها.. إلخ. لا شك أن هناك أسباباً في حدوث تلك الظاهرة وسوف أحاول التعرض لبعضها محاولاً في الوقت نفسه علاجها حسب رؤيتي المتواضعة، فأقول وبالله التوفيق إن الأسباب يمكن إجمالها في الآتي:

أولاً: ضعف الأساس العلمي لبعض معلمي اللغة العربية: فبعض معلمي اللغة العربية أساسهم العلمي ضعيف في مواد اللغة العربية في المراحل ما قبل الجامعية، وقد لاحظنا أن هناك أعداداً كبيرة من معلمي اللغة العربية دراستهم الثانوية كانت عملية، أي أنهم درسوا وتخرجوا في القسم العلمي ونعلم أن ذلك القسم يُركز على دراسة العلوم الطبيعية بعكس مواد اللغة العربية فهي قليلة في ذلك القسم ومخففة في الوقت نفسه مقارنة بالقسم الأدبي أو الشرعي. وعندما تسأل أحد أولئك المعلمين عن سبب التحاقه بقسم اللغة العربية في المرحلة الجامعية بالرغم من تخصصه العلمي في المرحلة الثانوية، فإنه يجيبك بكل بساطة بأن السبب يكمن في تقديره المتواضع في المرحلة الثانوية، وكان قسم اللغة العربية هو الأنسب في نظره ويحقق له في الوقت نفسه الوظيفة المضمونة، وذلك للحاجة القائمة إلى ذلك التخصص الآن وغداً، وليته تخرج بتقدير مرتفع في المرحلة الجامعية ينمٌّ عن تميزه، ولكنه للأسف كالمرحلة الثانوية إن لم يكن أكثر سوءاً منها، علاوة على عدد السنين التي تجاوزت الخمس في تلك المرحلة.

ثانياً: إسناد تدريس مواد اللغة العربية إلى غير المتخصصين وخصوصاً في المرحلة الابتدائية: وقديماً قالوا «أعط الخبز لخبازه ولو ىأكل نصفه»، فقد يُدرس القواعد مثلاً معلم الرياضيات أو الأحياء.. إلخ، ويتضح بعد ذلك ضعف الطلاب في تلك المادة كنتيجة طبيعية لضعف معلمهم.

ثالثاً: عدم الدقة في اختيار الطلاب المتقدمين لأقسام اللغة العربية في جامعاتنا وكلياتنا: فمن المعلوم أن تلك الأقسام تحدد نسباً معينة كشرط أساسي للقبول فيها، وقد تجري مقابلات شخصية للمتقدمين، ولكنها وللأسف روتينية ليس فيها تدقيق لمدى قوة الطالب في مواد اللغة العربية، وحري بالمسؤولين في أقسام اللغة العربية في تلك الكليات والجامعات أن يضعوا اختبارات تحريرية للطلاب المتقدمين لتلك الأقسام يتم من خلالها معرفة مستواهم في مواد الإملاء والقواعد والتعبير.. إلخ، ومن ثم تعقبها اختبارات شفوية، الهدف منها معرفة مدى سلامة الحواس وكذا سلامة مخارج الحروف وكيفية النطق ومدى قدرة الطالب على التعبير والإنشاء، بالإضافة إلى ثقافته العامة. وعليهم أيضاً أن يوجهوا طلاب الأقسام العلمية في المرحلة الثانوية إلى ضرورة إكمال دراستهم في مجال تخصصهم وليس شرطاً في الجامعات، فهناك كليات التقنية والكليات الصحية.. إلخ، إلا من أثبت منهم جدارة حقيقية في الاختبارات التحريرية والشفوية كما أسلفنا.

رابعاً: فتح باب التدريس على مصراعيه لكل من تخرج في أقسام اللغة العربية دون تمحيص لمدى صلاحيته للتدريس: قد يتخرج الطالب بتقدير ضعيف مثلاً، ومثل هذا الطالب محكوم عليه بالضعف في تدريسه وقد استثني البعض فلكل قاعدة شواذ، أو يكون غير مهيأ نفسياً أو بدنياً لتلك المهنة... إلخ. خامساً: افتقاد معلم اللغة العربية في مدارسنا للحافز المعنوي الذي يميزه عن زملائه، معلمي المواد الأخرى: وأعتقد أن هذا السبب قد أثر على نفسية معلم اللغة العربية، وبالتالي انعكس على مستوى ما يقدمه لطلابه، وأقصد أن معلم اللغة العربية عليه حمل ثقيل لتعدد مواده،وكذا حاجة تلك المواد إلى الدقة المتناهية عند التصحيح لكل كلمة حتى النقط والفواصل، خذ مثلاً مادة التعبير أو الإنشاء التي قد يظنها البعض بجانب المطالعة متنفساً لمعلم اللغة العربية، ولكنها ليست كذلك، ففي تلك المادة وأعني التعبير عليه أن يراعي سلامة الإملاء وكذا الناحية النحوية والصرفية لكل كلمة وكل حرف وفي كل دفتر، فما بالك وعدد الطلاب يزيد على ثلاثين طالباً في الفصل الواحد، بالإضافة إلى تعدد الفصول والمواد، وهذا المجهود الضخم يضعف البصر ويوهن العظم، فمثل هذا المعلم لابد أن يُحفّز معنوياً إما بتخفيض نصابه من الحصص الأسبوعية وإما بإعفائه من الأعباء الأخرى كالريادة والإشراف.. إلخ، أو حتى يُحفّز مادياً بزيادة في العلاوة السنوية أو بمكافأة مالية مقطوعة سنوياً، وأجزم حينها أن وضعه سوف يختلف وتكون النتيجة مرضية بإذن الله تعالى، وصدق الشاعر حين قال: إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما سادساً: عدم كفاية الدورات التنشيطية السريعة التي تُعقد في أثناء العام الدراسي لبعض معلمي اللغة العربية: وتلك الدورات تندرج تحت مسمى (التدريب على رأس العمل) وأعتقد أن فكرتها جيدة ولكنها غير شاملة لجميع معلمي اللغة العربية وفي الوقت نفسه مدتها قصيرة قد لا تتعدى ثلاثة أيام، بل إن بعضها لساعة أو لساعتين فقط، وبالتالي لا يمكن أن تؤدي الغرض المطلوب، وأرى تمديدها لتصبح شهراً مثلاً، وفي نهايتها يوضع اختبار تحريري شامل لكل موضوعات الدورة، وأيضاً يستفيد منها المعلم بعلاوة مثلاً أو بمكافأة مالية مقطوعة مع شهادة معتمدة.. إلخ.

 سابعاً: تحميل معلم اللغة العربية أعباء أخرى إضافية: فقد يحدث أن مدير المدرسة يُسند إليه النشاط الأدبي أو الإذاعة الصباحية أو الإشراف اليومي أو الريادة.. إلخ، وهذه أعباء إضافية تُثقل كاهل معلم اللغة العربية وتؤثر سلباً على مستواه وما يقدمه لطلابه، فجدوله الدراسي محمل بأربع وعشرين حصة يتبعها تصحيح ورصد درجات ومتابعة للطلاب... إلخ. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (45) بتاريخ (ذو الحجة 1419هـ -أبريل 1999م).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply