لكل همة ... ولكن أين ؟ (1)


بسم الله الرحمن الرحيم

 

خلق الله الإنسان وأوكل إليه عمارة الأرض ورعايتها ولكي يقوم الإنسان بهذا الدور الفريد فقد فطره الله - تعالى -على فطرة تعينه على ذلك ومن أبرز معالم هذه الفطرة أن لكل إنسان على وجه البسيطة همة تسيره وتدفعه وتضمن له الشعور بأهمية الحياة وقيمتها فإن المرء متى ما فقد هذه الهمة تراه يفقد معنى الحياة وتهون عليه وترادوه الأفكار تسوقه نحو التخلص من هذه الحياة التي أضحت عبئا عليه.

معنى الهمة: جاء في (القاموس): (هـ م م): (ما هُمَّ به من أمر ليفعل)، فالهمة هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفولº فمن الناس من تكون همته عالية علو السماء، ومنهم من تكون همته دنيئة سافلة، تهبط به إلى أسوأ الدرجات.

إذن فهناك ملمحان في غاية الأهمية يبرزان من خلال تعريف كلمة الهمة كما في القواميس وغيرها أولهما أن هناك همة لكل شخص فالهمة هي الباعث على الفعل أي أن أي فعل تقوم به إنما منشؤه همة بادئ ذي بدء فلا فعل ولا حركة بل ولا تفكير في الذهن ينقدح بغير همة تدفع إليه وتصب فيه.

وثانيهما أن هذه الهمة إما أن يشغلها صاحبها بمعالي الأمور أو أسافلها قال أحد الصالحين: همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال.

ودعنا في هذا اللقاء نركز على الملمح الأول ((الهمة مقدمة الأشياء)) فهو بمثابة الأساس لبناء الهمة العالية التي ترفع المقام وتعين على الارتقاء.

لا يخلوا المرء من القيام بفعل ما في هذه الدنيا وتختلف دوافع البشر نحو ما يفعلون في حياتهم فمن الأفعال ما يقوم به المرء في غالب حال الناس بصورة روتينية حتى أنه لا يكاد يفكر فيها إلا ساعتها كالأكل والشرب والنوم والذهاب إلى العمل في الصباح والعودة في المساء.

لكن هذه الأشياء ذاتها قد تتحول إلى المقام الأول في الأهمية إذا ما تم تهديد المرء بقطعها أو منعها عنه فالمنع من الأكل والشرب لمدة يوم تقفز بدافع الجوع والعطش إلى مقدمة الأولويات ويتولد الدافع على كثير من الأفعال التي تصل بالمرء إلى تحصيل الطعام والشراب وقد كان الدافع موجودا في الصورة الروتينية الأولى ولكنه لما كان مضمون الحصول كان موقعه في سلم الأولويات متأخرا ولكنه كان موجودا ولم يظهر فجأة.

وهناك أمور أخرى تشغل الذهن أكثر من ذلك بدرجة وهي تحصيل المرء لقدر معين من الرفاهية في العيش مما ليس معه الآن فتراه منشغلا بذلك وتراه ولا بد باذل جهدا أكبر في وسائل تحصيل ذلك ومن الناس من عقله وقلبه مشغول بأمر أعظم من ذلك ولا أعنى هنا أعظم في القدر بل في الانشغال كالعاشق بمعشوقه ترى كيف تكون همته في تحصيل المستحيل والمعجز إذا طلبه منه معشوقه وهو ذاته تطلب منه أن يقوم فيبذل أقل جهدا في غير ذلك فتكون علته الجاهزة وحجته الحاضره أنه ضعيف لا يقوى وأن الأمر شاق عسير.

إنه لا بد لكل عمل يقوم به المرء في الحياة من دافع وهذا الدافع هو الهمة فإننا إنما نأكل ونشرب بدافع الحفاظ على الحياة أولا ثم إطفاء شرارة الجوع ثانيا ثم التلذذ بأطايب الأكل والشرب وكلما زادت الدوافع كلما زاد الانشغال بالمدفوع إلى فعله وهكذا.

فأول التصورات التي يلزم نسفها أن المرء مقيد لا يملك فعل ما يريد كلا بل هو قادر على فعل ما يريد إذا أراد وهنا تكمن حقيقة المشكلة أنه لا يريد بما يكفي ليفعل ولعله يريد بما يكفي ليتمني ولكنها إرادة ضعيفة لا لأنه ضعيف ولكن لأنه يتوجه بإرادته إلى غير ذلك وبذل همه في غير ذلك.

إذن وداعا لشماعة العجز والخور وضعف الهمة وداعا لدعوى السكون وهكذا خلقني الله كلا فلم يخلقك الله ضعيفا ولا عاجزا بل علم نبيك - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذة من العجز والكسل وفضل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف ولم يتركه هملا بل رسم له في الحديث نفسه الطريق ليكون قويا بالحرص على ما ينفعه فهو إنما ضعف لأنه صرف همته وطاقته إلى ما لا ينفعه وإلا كان قويا فهل اتضحت الآن معالم المسألة وأننا مسؤولون بالمقام الأول عن اختياراتنا وأنه إنما هو همنا نوجه بإرادتنا إلى حيث نريد فلمن تكون الغلبة للهوى والنفس يلعب بالمرء في اختيار طريقه ومجال صرف همته أم تمسك بزمامها وتريها طريقها وتلزمها إياه.........

الأمر إليك ((إن جبريل أتاني فقال لي: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت, وأحبب من شئت فإنك مفارقه, واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

وإلى حين اللقاء لكم مني خير سلام وتحية ومحبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply