داء المركزية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فطر الله بني آدم ليكون بعضهم خدماً لبعض، وتختلف الخدمة من فرد إلى فرد آخر ومن فئة إلى فئة أخرى خيرهم الذي ينشر ذكره بين الناس بخصال المدح والثناء وفيه يصدق قوله - عليه الصلاة والسلام -: (اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به) صحيح مسلم الأمارة.

 

 فالرئيس خادم, والمدير خادم, والوكيل خادم, وعميد الكلية خادم, ورئيس القسم خادم, ومدير الحقوق المدنية خادم, ومدير الشرطة خادم, وأمير المدينة خادم, ورئيس الجيش خادم فكل منهم يقوم بالخدمة التي يقتضيه منصبه.

 

 فإن أحسن إلى الناس من منطلق منصبه شكره الناس سواء من تحته ومن راجعه في قضية من قضاياه.

 

 ولا شك أن الحسن في العمل يستلزم أن يكون مجزءاً أو موزعا بين الأفراد, فيتقن كل فرد ما وكل غليه من العمل فيخرج في صورة ينبئ عن المشاركة الجماعية في أدائه، ومن هنا جاء الأمر الإلهي بالتشاور بين أفراد الجماعة المسلمة في كل قضاياه (وأمرهم شورى بينهم).

 

 ويصيب بعض الناس مرض يمكن تسميته بمرض المركزية ولا سيما إذا تولى منصبا يضم العديد من الإدارات والأقسام يظن هذا المريض أنه يجب أن يكون موجودا في كل صغيرة وكبيرة، عامل النظافة لم يقم بواجبه يلزم الجهة المعنية أن ترفع شكواه إليه، احتاج زيد من الناس إلى مسامير فلن ينالها إلا بعد عشرة توقيعات ممن تحت ذلك السيد.

 

 يربط كل أمر بضوابط معينة لا تروق ولا تُرضى غيره وربما تنفيذ ضوابطه تستغرق وقتاً تفوت المصلحة في تحقيقها ولا شك أن مثل هذا الإداري مهما كان منصبه لن يرضى عنه ممن تحته ولا ممن يراجعه.

 

 مرونة العمل تقتضى توزيع المهام وإسناد جزء من العمل إلى الفرد والكفء فيصبح سير العمل سلسا ومرناَ فالإداري الناجح هو الذي يوزع المهام ويعتمد على الذي كلفه بالمهمة ولا يطالبه بعرض كل صغيره بل همه انجاز العمل بطريقه مرضيه.

 

 والإداري الفاشل هو الذي يمسك كل الأمور بيده يخاف في داخل نفسه كخوف العجائز قبل النوم تفتيش كل الغرف والدواليب خشية أن يكون السارق قد اختبأ فيها, هكذا هذا المركزي الفاشل يريد أن يكون على دراية بكل صغيرة وكبيرة في إدارته بل لا يمتنع لو أمكنه الإطلاع على فطور من تحته وعدائهم وعشاءهم وكم تكون فرحته لو أمكنه الدخول إلى التعرف على أفراد أسرهم، وتغمره الفرحة إذا عرف أسماءهم الفكري والديني والأحوال الخاصة بهم من أن زوجه كان حامل وان بنت فلان على وشك الزواج وما شابه ذلك......... من القضايا الخاصة.

 

نصيحتي لهذا المركزي أن يترك من تحته بتصرف كامل وسيرى الإنتاج أكثر اتقانا وأكثر مرونة عما لو ظل مراقب ومحتاجاً إلى تأشيرات متعددة.

 

 اللهم اشفنا من هذا الداء العضال واجعل أمرنا شورى بيننا انك ولي ذلك والقادر عليه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply