مقترح للراحة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

تقبل واقعك:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد..

أيها المبارك اسمح لي بأن اقترح عليك هذا الاقتراح:

تقبّل واقعك بلا قيود ولا شروط، ولا حدود، فهذا واقعك وهذه حياتك، فإن شئت قضيتها في نحيب وعويل على ما فات، وإلا في نجاح وتميز... أنت.. هو أنت.. بشحمك ولحمك، ووجهك هو وجهك بتجاعيده وبنتؤاته.. فتقبل واقعك وأرضى به، ولا تجعل منه هاجساً يحطم السعادة في حياتك..

لتحمل مفتاحاً آخر من مفاتيح التميز في حياتك، تزوج أحد الزهاد صالحة جميلة وكان دميماً، فنظر في المرأة ذات يوم فقال لها: بليت بك، فأشكر، وبليتي بي فاصبري.. وعاشا سعيدين.. والمقصود هو أن نرضى بواقعنا بلا شروط أو قيود، ففي هذا الرضى سعادة للنفوس وترياق للهموم.

فإن كنت فقيراً معدماً من ذهب الدنيا وجواهرها، ورغائبها، فارض بواقعك فليست السعادة تُشترى والله بالمال أبداً.. "ولكن التقي هو السعيد"، بل والمتميز على غيره... إذن فتقبل نفسك على ما فيها، فإن من لا يشعر بالرضا عن نفسه لا يملك الثقة بها مما يجعله متقبلاً للهزيمة والإخفاق.

بل ويجعله أيضاً مضخماً لهذه الهزائم بشكل يحكي عما في نفسه من ضعف وعدم رضى ثم يجعل خططه المستقبلية مرتبة على مثل هذه التنبؤات المظلمة، فيا بشارته بالبؤس في حياته.. وبضياع مفتاح من مفاتيح تميزه في حياته..

* * * * *

 

أما صانع التميز فطعم آخر..

متقبل لواقعه.. مبادر إلى النجاحات والإبداعات واللموع لا يندب حظه، وإنما جهاد ونية..

ثم أنه يعلم أن الذي يولد ليزحف لا يطير، وأن الذي يولد ليطير لا يزحف.. فهو متقبل لنفسه، بلا شروط ولا قيود.

* * * * *

 

البنك المتنقل:

استمتع بما لديك، فأنت تحيا في فضائل وخيرات وقدرات ومهارات فاحمد الله..

نظر رجل من نافذة السجن، فرأى الكون والضياء، والنور، والسناء، وتفكر فيما حوله من نبات وخضرة، ثم أعاد النظر في نفسه التي بين جنبيه "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون".

فوجد أنه قد حرم من الحرية لمدة معينه، ولكنه يحمل منجماً من النوادر الثمينة، تأمل في آية اليدين والرجلين والعينين، والأذنين والمنخرين، كيف أنه جعل لكل عضو عوضاً عنه لو فُقد ومن الأعضاء الخطير جعل عضواً عضواً.

فجعل اللسان عضو، والرأس عضو، والقلب عضو، والفرج عضو، ليخف على صاحبهما مأثمها، فاللسان بين اللحيين والفكين ليمنعانه من الاستطالة في أعراض أهل الإيمان والصلاح والأبرياء، والفرج بين الرجلين وفي أسفل الجسد حتى لا يكون شغلاً شاغل، فسبحان المعطي المنان جل وعز.

ولما نظر صاحبنا إلى هذه الآية في بدنه علم أنه لم يخسر في حياته إلا أمراً يسيراً، بمقابل ما حصل من فائدة.. فحصلت السعادة وطمأنينة البال إذ أنه لا يزال رابحاً... وهذا دأب المتميزين... يحيلون المحنة منحة، والقاعدة تقول: "استمتع بما لديك".

وعش سعيداً في ظل النعم العظيمة التي أنعم بها عليك المنعم جل شأنه تكن متميزاً حقاً.

 

وقفـــــــــة

قال إيليا أبو ماضي:

كم تشتكي وتقول إنك معدم *** والأرض ملكك والسما والأنجم

ولك الحقول وزهرها وأريجها *** ونسيمها والبلبل المتـــرنم

والماء حولك فضة رقراقة *** والشمس فوقك عسجد يتضرم

والنور يبني في السفوح وفي الذرى *** دوراً مزخرفة وحيناً يهــدم

هشت لك الدنيا فما لك واجماً؟ *** وتبسمت فعلام لا تتبســم؟

إن كنت مكتئباً لعز قد مضى *** هيهات يرجعه إليك تنــدم

أو كنت تشفق من حلول مصيبة *** هيهات يمنع أن تحل تجـهم

أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل *** شاخ الزمان فإنه لا يهــرم

انظر فما زالت تطل من الثرى *** صور تكاد لحسنها تتكلــم

 

اصنع من اللاشيء أشياء:

واستفد من عاداتك الحياتية، وتجاربك اليومية في راحة بدنك، وطمأنينة نفسك، واجعل من هذه العادات دافعاً لصناعة التميز في حياتك، فإذا نمت فليكن نومك في مكان مهيأ ومريح لتستفيد من هذه العادة في تنشيط بدنك، وصفاء ذهنك..

وإذا أكلت فلا تدخل الطعام على الطعام، وتخير من الطعام أجوده وأنسبه لك.. فقد كان بعض أهل العلم يحرص على أكل أصناف من الطعام، ويحذر من بعض الأصناف، فكان حبيبهم الزبيب، وعدوهم الباذنجان.

وقد أثر عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي أنه كان -رحمه الله- كثيراُ ما يصطحب الزبيب في جيبه، وقد أثر أيضاً عنه -رحمه الله- أنه يسأل وكيع بن الجراح، فقال ناظماً:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي*** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور**** ونور الله لا يؤتى لعاصي

وصدق -رحمه الله- وكلامه الأصل في الانتفاع بالعلم، وأيضاً فإن من التوفيق الأخذ بالأسباب التي سببها الله -جل وعز- فجعل العلاج سبب في شيء من الشفاء، والطعام سبب في الشبع، وهكذا...

وقد أثر أيضاً عن ابن القيم -رحمه الله- رحمة واسعة أنه كان يعتني بطعامه، ومنامه، وبعض عادته، وذلك لأن يستفيد منها في راحة بدنه، وتهيئة الجو المناسب للحفظ والفهم والاستنباط.. والتميز.

وإن كان مذهب بعض من قنن الإبداع أن الفقر والجوع والتعب والنصب تذكي جذوة طالب العلم، وتوقد شعلة العلم والفهم والمنافسة والاستنباط.

وهذا لأحوال وذاك لأحوال هذا الصحيح عندي.

فهذا ابن القيم -رحمه الله- رحمة واسعة يعتني بالاستفادة من عاداته لراحة بدنه، ومن ثم لممارسه ولموعه وإبداعه وسطوعه وتميزه.

وقد أثر عنه أيضاً -رحمه الله- أن صنف كتابه العظيم "زاد المعاد في هدي خير العباد" وهو على راحلته في السفر، فبهذا نخرج بالطريقتين، ونستفيد من المنهجين، وتحقيقاً لذلك نشعر ببعض السعادة فهلا حرصنا على ذلك.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply