كثرة الأعباء وضعف الإنتاج


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تعاني بعض المؤسسات التربوية والدعوية وغيرها من مرض عضال ينتشر ببطء ويؤثر على المستوى البعيد وتبدو ملامحه واضحة في كثرة الأعمال والأعباء التي يتحملها المسؤول الواحد في هذه المؤسسات وتتجلى في ضعف الإنتاج وهزالة المجهود وتردي الأوضاع وانحدار المستوى وكثرة الفوضى والانتقادات وتبرم القيادات من النقد وغير ذلك.

وسبب المشكلة يبدأ من تزايد الأعباء والتكاليف التي هي نتاج طبيعي لكثرة الأعمال وازدياد مساحة العمل على الكفاءات الميدانية دون أن يكون هناك كفاءات إدارية تنضم للكفاءات الحالية لتواكب تلك الزيادة وتتحمل نصيبا منها، ويرجع هذا الخلل (عدم توفر كفاءات جديدة) إلى:

 

أولا: إلى قصر نظر عند القيادات وعدم فهمها وإدراكها لخطورة إغراق الكفاءات الموجودة بأعمال ومسؤوليات تفوق قدراتها.

 

وثانيا: افتقار تلك المؤسسات إلى آلية عمل واقعية توفر لها باستمرار كفاءات تتولى الزيادة في العمل والتوسع فيه، وأقول واقعية لأن البعض يزعم نظريا أنه لايعاني من هذه المشكلة وأن لديه هذه الآلية ولكن الواقع يقول شيئا آخر؟!

 

وثالثا: افتقار تلك المؤسسات إلى نقد ذاتي حقيقي يبين لها الخلل بوضوح ويضع أمامها سبل العلاج وأقول حقيقي لأن هناك الكثير من النقد الذاتي الخادع الموجود في كل هذه المؤسسات والذي هو في الحقيقة مكياج لتجميل العيوب وليس طريقة لعلاجها.

 

 ورابعا: وجود نوع من الخوف وفقدان الثقة عند القيادات الحالية في إدخال كفاءات جديدة ربما تعكر صفو الأمور والأجواء عندهم، إذ أن من السائد في مجتمعاتنا أن الكبار على اختلاف أصنافهم لا يرغبون أبدا في أن يبدي الأقل منهم شأنا أي انتقاد أو تحفظ على ما يفعلونه حتى وإن كان حقا إلا ما رحم ربي.

 

وعندما تزداد الأعباء على الكفاءات الحالية يبطء إنتاجها ويضعف ولكن بتسارع بطيء قد يستغرق سنوات، تماما مثل الحصان الذي يجر عربة فتربط به عربة أخرى ثم أخرى ثم أخرى حتى ينتهي الأمر بذلك الحصان القوي الذي كان يسابق الريح أن يزحف زحفا من كثرة العربات التي يجرها ويمكن لأي سلحفاة أن تسبقه عندئذ، واللوم في ذلك ليس للحصان ولكن فيمن لم يدرك خطورة ربط العربات الكثيرة التي تفوق قدرة الحصان وهذا يفسر تدهور عمل بعض المؤسسات الكبيرة التي كانت مزدهرة في فترة من الفترات ثم بعد سنوات تفوقت عليها بعض المؤسسات الصغيرة التي تقل عنها عددا وعدة وخبرة.

 

إن أي عمل يكلف به الإنسان يحتاج إلى وقت لإنجازه بشكل جيد فالمدرس الذي يقوم بتدريس مئة طالب مثلا يحتاج إلى وقت لتحضير مادته العلمية ويحتاج إلى وقت لتعليم الطلاب والى وقت لتقويمهم وهكذا فإذا لم نراع ذلك وكلفنا ذلك المدرس بألف طالب مثلا فإنه بالقطع لن ينجز العمل بالشكل المطلوب وسيكون إنتاجه ضعيفا ومترديا وهزيلا لأن المئة طالب كان سينال الواحد منهم 10% من اهتمام هذا المدرس ولكننا عندما ضاعفنا له العدد أضعافا مضاعفة أصبح لكل طالب 1% من مجهوده فكيف يمكن لعاقل أن يتوقع خيرا لأولئك الطلاب من هذا المدرس المثقل؟.

 

وأمثال هذا المدرس كثيرون في هذه المؤسسات المريضة حيث تجد المسؤول الواحد وقد تحمل عشرات الأعمال التي تحتاج عدة أشخاص لإنجازها وهذا يدل على خلل آخر وهو عدم معرفة قدر النفس (ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه) فالعاقل يقبل بالعمل الذي يستطيع إنجازه بشكل جيد ولا ينبغي له أن يقبل أعمالا وهو يعلم يقينا أنه لن يتسنى له الوقت لإعطائها حقها ولكنه مع ذلك يقبل تلك الأعمال إما جهلا منه بخطورة قبول العمل وعدم إعطاءه حقه أو أنه يقبل به تحت سيف الحياء من الرئيس الأعلى أو أنه يقبل به مضطرا لعدم وجود من يقوم به كما يجب أن لا ننسى أن البعض قد يقبل بالكثير من الأعمال من باب الفخر والرياسة والوجاهة والإشارة إلى المواهب القيادية التي يملكها وإن كان لا يصرح بذلك (وهذا من الأمراض القلبية التي لا يدعي مؤمن أن في مأمن منها مهما كان مركزه وعلمه)...وفي كل الأحوال سيكون الضحية هو ناتج العمل.

 

وإليك هذه القصة الواقعية:

(حدثني أحد العاملين في بعض المؤسسات التي تقدم المساعدات للفقراء فقال: كنت أقوم بإنجاز الأوراق اللازمة لصرف المساعدات للفقراء وأجهزها حتى يعتمدها مدير المؤسسة الذي يحضر لعدة ساعات أسبوعيا فقط وذلك لكثرة أعباءه ومسؤولياته فيحضر في تلك الساعات ليعتمد الأوراق ثم ينصرف ولكن الذي يحدث أن ذلك المسؤول لكثرة مسؤولياته لا يتمكن من الحضور في تلك الساعات المعدودة فيتأخر صرف المساعدات خمسة عشر يوما وإذا لم يتمكن في الأسبوع الذي يليه من الحضور زاد التأخير).

 

ولا أظن أن هذا المسؤول سيكون مسرورا بمسؤوليته عن تأخير هذه المساعدات لمستحقيها ولكنه قطعا يتحمل جزءا من المسؤولية عندما رضي أن يكلف بعمل وهو يعلم أو لا يعلم أنه لن يستطيع القيام به على الشكل المطلوب.

 

إن الموظف المكلف بعمل واحد سيكون مجهوده 100% موجها لإنجاز عمله فإذا أضفت له عملا مماثلا ستنخفض النسبة إلى 50% فإذا أضفت عملا ثالثا ورابعا وخامسا وسادسا وسابعا ستنخفض النسبة حتى تصل إلى 5% أو أقل. وإن لمن غير المعقول أن يطلب من موظف هذا حاله أن يحقق نتائج جيدة أو لا يكون سببا في انحدار العمل وكثرة الانتقادات.

 

وللأسف أن بعض أصحاب القرار في هذه المؤسسات يكابرون أمام هذه الحقائق ويلتفون حولها ويبرورن الانتقادات الموجهة لهم بالضعف وانحدار المستوى بتكاسل العاملين وعدم جديتهم وضعف عزائمهم وما إلى ذلك من كلام لا يصلح الخلل بقدر ما يتسبب في التعامي عن الخلل وإطالة المشكلة وتفاقمها.

 

وإنه لمن الحري بالعاقل إذا وجه له انتقاد أن يتأكد هل هذا الانتقاد حق؟ وأن يفعل ذلك بشفافية حقيقية وليس خداعا للنفس، فإذا تبين له أن الأمر حق سارع إلى تدارك الأمر وعلاجه وهذا هو ديدن المؤمنين الصالحين ورحم الله القائل (رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي) أما المكابرة وازدراء المنتقد والبحث عن توجيه انتقاد مماثل له وغير ذلك من أساليب رخيصة فهذا مما لا يقدم علاجا فضلا عن أنه لا يليق بشخص قد وضع نفسه في موقع التكليف والمسؤولية.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply